الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

قوله تعالى : { اللَّهِ الَّذِي } : قرأ نافعٌ وابن عامرٍ برفعِ الجلالةِ والباقون - ورواها الأصمعيُّ عن [ نافع ]- بالجرِّ .

فأمَّا الرفعُ فعلى وجهين ، أحدُهما : أنه مبتدأٌ ، خبرُه الموصولُ بعده ، أو محذوفٌ تقديرُه : اللهُ الذي له ما في السماواتِ وما في الأرضِ العزيزُ الحميد ، حُذِف لدلالة ما تقدَّم . والثاني : أنه خبرُ مبتدأ مضمر ، أي : هو اللهُ ، وذلك على المدح .

وأمَّا الجرُّ فعلى البدلِ عند أبي البقاء والحوفي وابنِ عطية ، والبيان عند الزمخشري قال : " لأنه جَرَى مَجْرَى الأسماءِ الأعلام لغلبتِه على المعبودِ بحق كالنجم للثريا " . قال الشيخ : " وهذا التعليلُ لا يتمُّ إلا أن يكونَ أصلُه الإِله ، ثم فُعِل فيه ما تقدَّم أولَ هذا الموضوع " . وقال الأستاذ ابن عصفور : " ولا تُقََدَّمُ صفةٌ على مَوصوفٍ إلا حيث سُمِع ، وهو قليلٌ ، وللعربِ فيه وجهان ، أحدُهما : أنْ تتقدَّمَ الصفةُ بحالها ، وفيه إعرابان للنحويين ، أحدُهما : أن تُعْرَبَ صفةً متقدمةً . والثاني : أن يُجعل/ الموصوفُ بدلاً من صفتِه . الثاني من الأولين : أن تُضيفَ الصفةَ إلى الموصوف . فعلى هذا يجوز أن يُعْرَبَ

{ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } صفةً متقدِّمة ، ومِنْ مجيء تقديمِ الصفةِ قولُه :

والمُؤْمِنِ العائذاتِ الطيرِ يَمْسَحُها *** رُكْبانُ مكةَ بين الغِيل والسَّنَدِ

وقول الآخر :

وبالطويل العُمْرِ عُمْراً حَيْدَراً ***

يريد : الطير العائذات ، وبالعمر الطويل . قلت : وهذا فيما لم يكنِ الموصوفُ نكرةً ، أمَّا إذا كان نكرةً صار لنا عملٌ آخرُ : وهو أن تنتصبَ تلك الصفةُ على الحال .

قوله : { وَوَيْلٌ } جاز الابتداءُ به لأنه دعاء ك " سلامٌ عليكم " . و " للكافرين " خبره . و { مِنْ عَذَابٍ } متعلِّقٌ بالويل . ومنعه الشيخ . لأنه يَلْزَمُ منه الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه ، وقد تقدَّم لك بحثٌ في ذلك : وهو أنَّ ذلك ممنوعٌ حيث يتقدَّر المصدرُ بحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ ، ولذلك جَوَّزوا تعلُّقَ

{ بِمَا صَبَرْتُمْ } [ الرعد : 24 ] ب " سلام " ولم يَعْترضوا عليه بشيء ، وقد تقدَّم ذلك في السورةِ قبلها ، ولا فرقَ بين الموضعين .

وقال الزمخشريُّ : " فإنْ قلتَ : ما وجهُ اتصالِ قولِه : { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } بالويل ؟ قلت : لأنَّ المعنى يُوَلْوِلون من عذاب شديد " . قال الشيخ : " فظاهره يدلُّ على تقدير عاملٍ يتعلَّقُ به { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } . ويجوز أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ للمبتدأ ، وفيه سَلامةٌ من الاعتراضِ المتقدم ، ولا يَضُرُّ الفصلُ بالخبر .