السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ} (2)

وفي قوله : { الله } قراءتان ، فقرأ نافع وابن عامر برفع الهاء وصلاً وابتداء على أنه مبتدأ خبره { الذي له ما في السماوات وما في الأرض } ، أي : ملكاً وخلقاً ، وقرأ الباقون بالجرّ على أنه بدل أو عطف بيان وما بعده صفة .

تنبيه : ذهب جماعة من المحققين إلى أنّ قولنا : الله جار مجرى الاسم العلم لذات الله سبحانه وتعالى ، وذهب قوم آخرون إلى أنه لفظ مشتق . قال الرازي : والحق عندنا هو الأوّل ؛ لأنّ الأمّة لما اجتمعت على أنّ قولنا : لا إله إلا الله يوجب التوحيد المحض علمنا أنّ قولنا : الله جار مجرى الاسم العلم . وقد قال تعالى : { هل تعلم له سمياً } [ مريم ، 65 ] ، أي : هل تعلم من اسمه الله غير الله ، وذلك يدل على قولنا : الله اسم لذاته المخصوصة ، ولذا استشكل قراءة الجرّ إذ الترتيب الحسن أن يذكر الاسم ، ثم يذكر عقبه الصفات كقوله تعالى : { هو الله الخالق البارئ المصور } [ الحشر ، 24 ] وأمّا الخالق الله فلا يحسن .

وأجيب عن ذلك بأنه لا يبعد أن تذكر الصفة أوّلاً ، ثم يذكر الاسم ثم تذكر الصفة مرّة أخرى كما يقال : مررت بالإمام الأجل محمد الفقيه ، وهو بعينه نظير قوله تعالى : { صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } والآية تفيد حصر ما في السماوات وما في الأرض له لا لغيره ، وذلك ليدلّ على أنه لا مالك إلا الله ، ولا حاكم إلا الله ، وأنه تعالى خالق لأعمال العباد ؛ لأنها حاصلة في السماوات والأرض ، فوجب القول بأنّ أفعال العباد له بمعنى كونها مملوكة له ، والملك عبارة عن القدرة فوجب كونها مقدورة لله ، وإذا ثبت أنها مقدورة لله وجب وقوعها بقدرة الله ، وإلا لكان العبد قد منع الله تعالى من إيقاع مقدوره ، وذلك محال ، ثم إنه تعالى لما ذكر ذلك عطف على الكفار بالوعيد فقال تعالى : { وويل للكافرين } ، أي : الذين تركوا عبادة من يستحق العبادة الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، وعبدوا من لا يملك شيئاً البتة ، بل هو مملوك لله تعالى ؛ لأنه من جملة ما في السماوات وما في الأرض ، وويل مبتدأ ، وجاز الابتداء به ؛ لأنه دعاء كسلام عليكم وللكافرين خبره ، وقوله تعالى : { من عذاب شديد } ، أي : يعذبهم في الآخرة متعلق بويل ولا يضر الفصل بالخبر .