قوله : { الله الذي } قرأ نافع{[19104]} وابن عامر وأبو جعفر برفع الجلالة والباقون بالجر ورواها الأصمعي ، وكان يعقوب إذا وصل خفض .
أحدهما : أنه مبتدأ خبره الموصول بعده ، أو محذوف ، تقديره : الله الذي له ما في السماوات ، وما في الأرض العزيز الحميد ، حذف لدلالة ما تقدَّم .
والثاني : أنَّه خبر لمبتدأ مضمر ، أي : هو الله ، وذلك على المدح ، وأمَّا الجرّ فعلى البدلِ عند أبي البقاءِ ، والحوفي ، وابن عطيَّة والبيان عند الزمخشري قال : " لأنه جرى مجرى الأسماء لغلبته على المعبود بحقّ ، كالنَّجم للثُّريَّا " .
قال أبو حيان{[19105]} : " وهذا التعليل لا يتمُّ إلاَّ أن يكون أصله " الإله " ثم فعل فيه ما تقدم أول الكتاب " .
وقال ابن عصفور : " لا تقدّم صفة على موصوف إلاَّ حيث سمع " وهو قليل ، وللعرب فيه وجهان :
أحدهما : أن تتقدم الصفة بحالها ، وفيه إعرابان للنحويين :
والثاني : أن يجعل الموصوف بدلاً من صفته .
والثاني : من –الأولين- : أن تضيف الصفة إلى الموصوف ، فعلى هذا يجوز أن يعرب " العَزيزِ الحَميدِ - " صفة متقدمة . ومن مجيء تقديم الصفة قوله : [ البسيط ]
والمُؤمِنِ العَائذَاتِ الطَّيْر يَمْسحُهَا *** رُكْبَانُ مكَّة بَيْنَ الفيْلِ والسَّعَدِ{[19106]}
وبِالطَّوِيلِ العُمْرِ عُمْراً حَيْدَار{[19107]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يريد : الطير العائذات ، وبالعمر الطويل .
قال شهابُ الدِّين{[19108]} -رحمه الله- : " وهذا فيما لم يكن الموصوف نكرة ، أمَّا إذا كان نكرة فتنصب تكل الصفة على الحال " .
قال ابن الخطيب{[19109]} : " اللهُ " : اسم علم لذاته المخصوصة وإذا كان كذلك ، فإذا أردنا أن نذكر الصفات ذكرنا أولاً قولنا : " اللهُ " ، ثم وصفناه كقوله : { هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغيب والشهادة هُوَ الرحمان الرحيم } [ الحشر : 22 ] الملك القدُّوسُ ، ولا يمكنننا أن نعكس الأمر فنقول : هو الرحمان الرحيم الله ، فعلمنا أنَّ " اللهَ " اسم علم للذَّات المخصوصة ، وسائر الألفاظ دالة على الصِّفات .
وإذا ظهرت هذه المقدمة فالترتيب الحسن : أن يذكر الاسم ثم يذكر عقيبه الصفات ، كقوله : { هُوَ الله الخالق البارئ المصور } [ الحشر : 24 ] فأمَّا أن تعكس فتقول : هو الخالق المصور البارئ الله ؛ فذلك غير جائز ، وإذا ثبت هذا فنقول : الذين قرؤوا برفع الجلالة على أنَّه مبتدأ ، وما بعده خبر هو الصحيح ، والذين قرءوا بالجرِّ إتباعاً لقوله : { العزيز الحميد } مشكل لما بيِّنا من أنَّ الترتيب الحسن أن يقال : الله الخالق ، وعند هذا اختلفوا في الجواب :
فقال أبو عمرو بن العلاء : القراءةُ بالخفض على التَّقديم ، والتَّأخير ، والتقدير : صراط الله العزيز الحميدِ الذي له ما في السماوات [ والأرض ]{[19110]} .
وقيل : لا يبعد أن تذكر الصفة أولاً ثمَّ يذكر الاسم ، ثم تذكر الصِّفة مرة أخرى كما يقال : الإمام الأجلّ محمد الفقيه ، وهو بعينه نظير قوله : { صِرَاطِ العزيز الحميد الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } .
وتحقيق القول فيه : أنَّا بيَّنا أن الصِّراط إنَّما يكون ممدوحاً محموداً إذا كانا صراطاً للعالم القادر الغنيّ ، والله تعالى عبَّر عن هذه الأمور الثلاثة بقوله : { العزيز الحميد } فوقعت الشبهة في أن ذلك : { العزيز الحميد } من هو ؟ فعطف عليها قوله { الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } إزالة لتلك الشُّبهة .
قوله : " وَويْلٌ " مبتدأ ، وجاز الابتداء به ؛ لأنه دعاء ك " سَلامٌ عَليكُمْ " ، و " لِلْكافِرينَ " خبره ، و " مِنْ عذَابٍ " متعلِّق بالويلِ .
ومنعه أبو حيَّان ؛ لأنَّه يلزمُ منه الفصل بين المصدر ومعموله ، وهو ممنوعٌ حيث يتقدَّم المصدر بحرف مصدري وفعل ، وقد تقدم .
ولذلك جوزوا تعلق " بِمَا صَبرْتُمْ " ب { سَلاَمٌ } [ الرعد : 24 ] ، ولم يعترضوا عليه بشيءٍ ، ولا فرق بين الموضعين .
وقال الزمخشريُّ{[19111]} : " فإن قلت : ما وجه اتِّصالِ قوله : { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } بالويل ؟ قلت : لأنَّ المعنى يولولون من عذاب شديد " .
قال أبو حيان{[19112]} : فظاهر يدلُّ على تقدير عامل يتعلق به { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } .
ويجوز أن يتعلق بمحذوفٍ ؛ لأنه صفة للمبتدأ ، وفيه سلامة من الاعتراض المتقدم ولا يضر الفصل بالخبر .
والمعنى : أنَّهم لما تركوا عبادة الله المالك للسماوات ، والأرض ، وكل ما فيها وعبدوا ما لا يملك نفعاً ، ولا ضرَّا ، ويُخلَقُ ، ولا يَخْلِقُ ، ولا إدراك له ، فالويل كل الويل لمن هو كذلك ، وإنما خصه بالويل ، لأنهم يولولون من عذابٍ شديدٍ ، ويقولون : يا ويلاه نظيره قوله تعالى : { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [ الفرقان : 13 ] ثم وصفهم الله تعالى بثلاثة أنواع :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.