روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةٖ وَأَجۡرٖ كَرِيمٍ} (11)

ولما بين كون الإنذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقال سبحانه : { إِنَّمَا تُنذِرُ } أي إنذاراً مستتبعاً للأثر { مَنِ اتبع الذكر } أي القرآن كما روي عن قتادة بالتأمل فيه والعمل به ، وقيل : الوعظَ ، واتبع بمعنى يتبع ، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو المعنى إنما ينفع إنذارك المؤمنين الذين اتبعوا ، ويكون المراد بمن اتبع المؤمنين وبالإنذار الإنذار عما يفرط منهم بعد الاتباع فلا يلزم تحصيل الحاصل ، وقيل : المراد من اتبع في علم الله تعالى وهم الأقلون الذين لم يحق القول عليهم { وَخشِىَ الرحمن } أي عقابه ولم يغتر برحمته عز وجل فإنه سبحانه مع عظم رحمته أليم العذاب كما نطق به قوله تعالى : { نَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } [ الحجر : 50 49 ] .

ومما قرر يعلم سر ذكر الرحمن مع الخشية دون القهار ونحوه { بالغيب } حال من المضاف المقدر في نظم الكلام كما أشرنا إليه أي خشي عقاب الرحمن حال كون العقاب ملتبساً بالغيب أي غائباً عنه ، وحاصله خشي العقاب قبل حلوله ومعاينة أهواله ، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل { خَشِىَ } أي خشي عقاب الرحمن غائباً عن العقاب غير مشاهد له أو خشي غائباً عن أعين الناس غير مظهر الخشية لهم لأنها علانية قلما تسلم عن الرياء ، وبعضهم فسر الغيب بالقلب وجعل الجار متعلقاً بخشي أي خشي في قلبه ولم يكن مظهراً للخشية وليس بخاش ، قيل : ويجوز جعله حالاً من { الرحمن } ولا يخفى حاله ، والكلام في خشي على طرز الكلام في { أَتَّبِعُ } { فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } عظيمة لما سلف ، وقيل : لما يفرط منه { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } حسن لا يقادر قدره لما أسلف ، والفاء لترتيب البشارة أو الأمر بها على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية . وفي «البحر » لما أجدت فيه النذارة فبشره الخ فلا تغفل ، وعن قتادة تفسير الأجر الكريم بالجنة والمراد نعيمها الشامل لما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وأجل جميع ذلك رؤية الله عز وجل .