اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِيَ ٱلرَّحۡمَٰنَ بِٱلۡغَيۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةٖ وَأَجۡرٖ كَرِيمٍ} (11)

{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر وَخشِيَ الرحمن بالغيب } قال من قبل : { لِتُنذِرَ قَوْماً } [ يس : 6 ] وذلك يقتضي الإنذار العام وقال هنا : «إنَّما تنذر » وهو يقتضي التخصيص ، فكيف الجمع بينهما ؟ ! وطريقه من وجوه :

الأول : أن قوله : «لتنذر » أي ( كَيْفَ ){[45757]} ما كان سواء كان مفيداً أو لم يكن .

وقوله : { إِنَّما تُنْذِرُ } أي الإنذار المفيد لا يكون إلا بالنسبة لمن يتبع الذِّكْرَ وَيَخْشَى .

الثاني : ( هو ){[45758]} أنّ الله تعالى لما بين أن الإرسال أو الإنزال للإنذار وذكر ( أن ){[45759]} الإنذار وعدمه سيان بالنسبة إلى أهل العناد قال لنبيه : ليس إنذارك غيرَ مفيد من جميع الوجوه ، فأنِذرْ على سبيل العموم وإنما يُنْذَرُ{[45760]} بذلك الإنذارِ العَام{[45761]} من يتبع الذكر كأنه يقول : يا محمد أنذر بإنذارك وتَتَبَّعْ بذكرك .

الثالث : أن يقول : لتنذر أولاً فإذا أنذرت وبالغت ( وبلغت ){[45762]} واستهزأ البعض وتولى واستكبر فبعد ذلك إنما تُنْذِرُ الِّذِينَ اتَّبَعُوك{[45763]} . والمراد بالذكر : القرآن لتعريف الذكر بالألف واللام . وقد تقدم ذكر القرآن في قوله تعالى : { والقرآن الحكيم } [ يس : 2 ] . وقيل : ما في القرآن من الآيات لقوله : { والقرآن ذِي الذكر } [ ص : 1 ] فما جعل القرآن نفس الذكر . والمعنى إنما تُنْذِرُ العلماءَ الِّذِين يخشون ربهم . وقوله : { وَخشِيَ الرحمن } أي عمل صالحاً لقوله : { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } وهذا جزاء العمل كقوله : { فالذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ الحج : 50 ] والمراد بالغيب : ما غاب وهو أحوال يوم القيامة . وقيل الوَحْدانية{[45764]} .

وقوله : { فَبَشِّره } إشارة إلى الرسالة ، فإنَّ النَّبِيِّ بشيرٌ ونذيرٌ .

وقوله : «بمغفرة » على التنكير أي بمغفرة واسعةٍ تسيرُ من جميع الجوانب «وَأجْرٍ كريمٍ » أي ذي كرم كقوله : { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } والمراد به الجنة .


[45757]:سقط من "ب" لفظ كيف فقط.
[45758]:سقط من "ب".
[45759]:سقط من "ب".
[45760]:سقط من "ب" لتنذر.
[45761]:في "أ" العالم.
[45762]:زيادة للسياق.
[45763]:في "ب" يتبعوك.
[45764]:انظر: الرازي 26/47 وزاد المسير 7/8.