وقوله تعالى : { الذي جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الاخضر نَاراً } بدل من الموصول الأول وعدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتأكيد ولتفاوتهما في كيفية الدلالة ، والظرفان متعلقان بجعل قدما على { نَارًا } مفعوله الصريح للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ، و { الأخضر } صفة الشجر وقرئ الخضراء ، وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحده بالتاء مثل الشجر إذ يقال في واحده شجرة ، وأهل نجد يذكرونه إلا ألفاظاً استثنيت في كتب النحو ، وذكر بعضهم أن التذكير لرعاية اللفظ والتأنيث لرعاية المعنى لأنه في معنى الأشجار والجمع تؤنث صفته ، وقيل لأنه في معنى الشجرة وكما يؤنث صفته يؤنث ضميره كما في قوله تعالى : { مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون } [ الواقعة : 53 ، 52 ] والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار يتخذ من المرخ وهو ذكر الزند الأعلى ومن العفار بفتح العين وهو أنثى الزندة السفلى ويسحق الأول على الثاني وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى ، وكون المرخ بمنزلة الذكر والعفار بمنزله الأنثى هو ما ذكره الزمخشري وغيره واللفظ كالشاهد له ، وعكس الجوهري . وعن ابن عباس . والكلبي في كل شجر نار إلا العناب قيل ولذا يتخذ منه مدق القصارين ، وأنشد الخفاجي لنفسه
: أيا شجر العناب نارك أوقدت *** بقلبي وما العناب من شجر النار
واشتهر العموم وعدم الاستثناء ففي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثرا من النار من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى واسع كثير ، ومنه رجل ماجد أي مفضال ، واختار بعضهم حمل الشجر الأخضر على الجنس وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل ، وخصا لكونهما أسرع ورياً وأكثر ناراً كما يرشد إليه المثل ، ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار .
{ فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ } كالتأكيد لما قبله والتحقيق له أي فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون النار لا تشكون في أنها نار حقيقة تخرج منه وليست كنار الحباحب ، وأشار سبحانه بقوله تعالى : { الذي } الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته فإن الماء بارد رطب والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضاً فيبس وبلى ، ثم إن هذه النار يخلقها الله تعالى عند سحق إحدى الشجرتين على الأخرى لا أن هناك ناراً كامنة تخرج بالسحق و { مّنَ الشجر } لا يصلح دليلاً لذلك ، وفي كل شجر نار من مسامحات العرب فلا تغفل ، وإياك واعتقاد الكمون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.