روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } أمر بتبكيتهم إثر التعجيب من أحوالهم ، والمراد بما لا يملك عيسى ، أو هو وأمه عليهما الصلاة والسلام ، والمعنى أتعبدون شيئاً لا يستطيع مثل ما يستطيعه الله تعالى من البلايا والمصائب ، والصحة والسعة ، أو أتعبدون شيئاً لا استطاعة له أصلاً ، فإن كل ما يستطيعه البشر بإيجاد الله تعالى وإقداره عليه لا بالذات ، وإنما قال سبحانه : { مَا } نظراً إلى ما عليه المحدث عنه في ذاته ، وأول أمره وأطواره توطئة لنفي القدرة عنه رأساً ، وتنبيهاً على أنه من هذا الجنس ، ومن كان بينه وبين غيره مشاركة وجنسية كيف يكون إلهاً ، وقيل : إن المراد بما كل ما عبد من دون الله تعالى كالأصنام وغيرها فغلب ما لا يعقل على من يعقل تحقيراً ، وقيل : أريد بها النوع كما في قوله تعالى : { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء } [ النساء : 3 ] . وقيل : يمكن أن يكون المراد الترقي من توبيخ النصارى على عبادة عيسى عليه الصلاة والسلام إلى توبيخهم على عبادة الصليب فما على بابها ، ولا يخفى بعده وتقديم الضر على النفع لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع ولأن أدنى درجات التأثير دفع الشر ثم جلب الخير ، وتقديم المفعول الغير الصريح على المفعول الصريح لما مرّ مراراً من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر .

وقوله سبحانه وتعالى : { والله هُوَ السميع العليم } في موضع الحال من فاعل { أَتَعْبُدُونَ } مقرر للتوبيخ متضمن للوعيد ، والواو هو الواو ، أي أتعبدون غير الله تعالى وتشركون به سبحانه ما لا يقدر على شيء ولا تخشونه ، والحال أنه سبحانه وتعالى المختص بالإحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات التي من جملتها ما أنتم عليه من الأقوال الباطلة والعقائد الزائغة ، وقد يقال : المعنى أتعبدون العاجز والله هو الذي يصح أن يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم ، ولن يكون كذلك إلا وهو حي قادر على كل شيء ، ومنه الضر والنفع والمجازاة على الأقوال والعقائد إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وفرق بين الوجهين بأن { مَا } على هذا الوجه للتحقير ، والوصفية على هذا الوجه على معنى أن العدول إلى المبهم استحقار إلا أن { مَا } للوصف والحال مقررة لذلك ، وعلى الأول للتحقير المجرد ، والحال كما علمت فافهم .