محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ أَتَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗاۚ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (76)

/ [ 76 ] { قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم ( 71 ) } .

{ قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا } هذا دليل آخر على فساد قول النصارى ، والموصول كناية عن عيسى وأمه . أي : لا يستطيعان أن يضراكم بمثل ما يضركم به الله من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال . ولا أن ينفعاكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب . ولأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع ، فبإقدار الله وتمكينه ، فكأنهما لا يملكان منه شيئا . وإيثار ( ما ) على ( من ) لتحقيق ما هو المراد من كونهما بمعزل من الألوهية رأسا ، ببيان انتظامهما في سلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء أصلا ؛ أي : وصفة الرب أن يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته . وإنما قدم { الضر } لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع . { والله هو السميع العليم } بالأقوال والعقائد . فيجازي عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فهو وعد ووعيد .

تنبيهات :

الأول : جعل ابن كثير الخطاب في قوله تعالى : { أتعبدون } عاما للنصارى وغيرهم ، أي : قل لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم .

وفي ( تنوير المقباس ) أن ( ما ) عبارة عن الأصنام خاصة .

وكلاهما مما يأباه السباق والسياق .

الثاني : قال في ( فتح البيان ) : إذا كان هذا في حق عيسى النبي ، فما ظنك بولي من الأولياء ؟ فإنه أولى بذلك .

الثالث : جعل أكثر المفسرين ( ما ) كناية عن عيسى عليه السلام فقط ، والمقام أنها كناية عنه وعن أمه عليهما السلام ، كما أوضحه المهايمي واعتمدناه .

/ الرابع : دلت الآية على جواز الحجاج في الدين ؛ فإن كان مع الكفار وأهل البدع ، فذلك ظاهر الجواز ؛ وإن كان مع المؤمن جاز بشرط أن يقصد إرشاده إلى الحق ، لا إن قصد العلو فمحظور . وحكي عن الشافعي أنه كان إذا جادل أحدا قال : اللهم  ! ألق الحق على لسانه . أفاده بعض الزيدية .