قوله تعالى : { مَا لاَ يَمْلِكُ } : يجوز أن تكونَ " ما " بمعنى الذي ، وأن تكونَ نكرةً موصوفةً ، والجملةُ بعدها صلةٌ فلا محلَّ لها ، و صفةٌ فمحلُّها النصبُ ، وفي وقوعِ " ما " على العاقلِ هنا لأنه أُريد به عيسى وأمُّه وجوهٌ ، أحدها : أنه أُتِي ب " ما " مراداً به العاقلُ لأنها مبهمةٌ تقعُ على كل شيء ، كذا قالَه سيبويه ، أو أُريد به النوعُ كقوله : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ } [ النساء : 3 ] أي : النوعَ الطيب ، أو أُريد به العاقلُ مع غيره لأنَّ أكثرَ ما عُبِد مِنْ دونَ [ اللَّهِ ] غيرُ عاقلٍ كالأصنامِ والأوثانِ والكواكبِ والشجرِ ، أو شبهُهُ على أولِ أحوالِه ، لأنه في أولِ حالِه لا يُوصَفُ بعقلٍ فيكف يُتَّخذ إلهاً معبوداً ؟ وفي تكريرِ الأمر بقوله : " انظُرْ " " ثم انظر " دلالةٌ على الاهتمام بالنظر ، وأيضاً فقد اختَلف متعلَّقُ النظرين ، فإنَّ الأولَ أمرٌ بالنظر في كيفية إيضاح الله تعالى لهم الآياتِ وبيانِها بحيث إنه لا شكَّ فيها ولا ريبَ ، والأمرُ الثاني بالنظر في كونِهم صُرِفوا عن تدبُّرها والإِيمان بها ، أو بكونِهم قُلِبوا عمَّا أُريد بهم . قال الزمخشري : " فإنْ قتل : ما معنى التراخي في قولِه : " ثم انظرْ " ؟ قلت : معناه ما بينَ التعجبين ، يعني أنه بَيَّن لهم الآياتِ بياناً عجباً ، وأنَّ إعراضَهم عنها أعجُب منه " انتهى . يعني أنه من بابِ التراخي في الرُّتَبِ لا في الأزمنةِ ، ونحوُه :
{ ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 1 ] وسيأتي .
قوله : { وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } " هو " : يجوزُ أن يكونَ مبتدأ ثانياً ، و " السميعُ " خبرُه ، و " العليمُ " خبرٌ ثانٍ أو صفةٌ ، والجملةُ خبرُ الأول ، ويجوزُ أَنْ يكونَ فصلاً ، وقد عُرِف ما فيه ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً . وهذه الجملةُ الظاهرُ فيها أنها لا محلَّ لها من الإِعراب ، ويحتمل أن تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من فاعلِ " تَعْبُدون " أي : أتعبدون غيرَ الله والحالُ أن الله هو المستحقُّ للعبادة لأنه يَسْمع كل شيء ويعلمه ، وإليه ينحو كلامُ الزمخشري فإن قال : { وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } متعلق ب " أتعبدون " أي : أتشركون بالله ولا تَخْشَوْنه ، وهو الذي يسمع ما تقولون ويعلم ما تعتقدون ؟ أتعبدون العاجزَ واللَّهُ هو السميع العليم ؟ انتهى . والرابطُ بين الحالِ وصاحبِها الواوُ ، ومجيءُ هاتين الصفتين بعد هذا الكلام في غاية المناسبة ، فإنَّ السميع يسمع ما يُشْكَى إليه من الضُّرِّ وطلب النفع ويعلم مواقعَهما كيف يكونان ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.