التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قَالَ لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ} (33)

قوله : { قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون } اللام في ( لأسجد ) ، لتأكيد النفي ؛ أي لا يستقيم مني ولا يليق بي أن أسجد لبشر مخلوق من طين أسود منتن . وإبليس اللعين يعني بذلك أن آدم ذو أصل خسيس وضيع وهو الصلصال ؛ فكأنه يقول : كيف يسجد من هو في مثلي عظيم الأصل . والخلقة لمن أصله الطين المنتن المهين ؟

هكذا كان تصور إبليس للمسألة . وهو أن الخلائق إنما تقاس بأصولها وأحسابها ، أو تقاس بأشكالها وظواهرها المكشوفة . لا جرم أن نظرة كهذه للأمور والحياة جد خاطئة ؛ بل إن المعيار الصحيح لقيم المخاليق ومقاديرها لهو جمال الفطرة الأصيلة وسلامة الطبع السوي ، وما يفضي إليه ذلك كله من مقتضيات ومآلات عظيمة ، غاية في الخير والبراءة والسمو والرحمة . فما يغني المخلوق هيئته وصورته أو حقيقة أصله مادام أثيم الفعل ، منكود الطبع ، قبيح الخصال . وإنما ينبغي التعويل كله على روعة الجوهر واستقامة السلوك وحسن الفعال{[2457]} .


[2457]:- التبيان للطوسي جـ6 ص 334 وروح المعاني جـ7 ص 47.