التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

قوله : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) النزع ، معناه القلع ؛ أي قلع الله من قلوب المؤمنين يوم القيامة في الجنة ما كان يستكن فيها من حقد على غيرهم من المؤمنين وهم في الدنيا . فإن كان لأحدهم غل ( حقد ) في الدنيا على آخر ؛ نزع الله ذلك من قلبه في الجنة ؛ لتكون بذلك نفوس المؤمنين جميعا طيبة لا يشوبها غل أو حسد ، ولا يعمرها غير المحبة والود .

ذلك هو شأن الناس في الدنيا ، سواء فيهم المؤمنون والعصاة . فما تخلوا قلوبهم في كثير من الأحيان من أوضار الحقد أو الحسد مما يقع بينهم من خلافات وزلات تفضي في الغالب إلى شحن القلوب بالغل والاضطغان . وذلك هو ديدن الإنسانية ذات المركبات المفترقة والمتكاملة . ومن بين ذلك قابلية الإنسان للكراهية واحتمال الضغن على أخيه المسلم لما يلقاه منه من إساءات ينفر منها طبعه فيحمل له من أجل ذلك الغيظ والحقد . وهذه حقيقة تنسحب على الناس جميعا إلا الرفافين المخبتين الأبرار الذين أوتوا من جمال الطبع ونصوع الفطرة وبساطة العريكة ورقتها ما يجعلهم في غاية التسامح والصبر .

أما المؤمنون في الجنة يوم القيامة لا جرم تتبدل طبائعهم وأخلاقهم وسجاياهم غير ما هي عليه ؛ ليتحولوا بذلك إلى أناسي من صنف مبرأ طاهر جديد ، سالم عن عيوب النفس وأدران الطبيعة التي كانوا عليها في الدنيا . وبذلك ينزع الله من قلوبهم الغل نزعا كيلا يبقى بعد ذلك غير المودة والتآلف والانسجام الكامل . قال علي كرم الله وجهه في هذا الصدد : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم ؛ أي ممن تعنيهم الآية .

قوله : ( إخوانا على سرر متقابلين ) ( إخوانا ) ، منصوب على الحال من ( المتقين ) أي يكونون في الجنة على أحسن هيئة وخير حال من التآخي والتواد فيما بينهم وهم قاعدون على الأسرة ( متقابلين ) يقابل بعضهم بعضا يتشاطرون فيما بينهم الحديث الكريم الودود في غاية من الأنس والرضا .