التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (16)

جملة { أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النار } مستأنفة ، ولكن اسم الإشارة يربط بين الجملتين ، وأتي باسم الإشارة لتمييزهم بتلك الصفات المذكورة قبل اسم الإشارة . وفي اسم الإشارة تنبيه على أن المشار إليه استحق ما يذكر بعد اختياره من الحكم من أجل الصفات التي ذكرت قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله : { أولَئِكَ عَلى هُدى منْ ربّهم } في سورة [ البقرة : 5 ] .

و { إلاّ النار } استثناء مفرّغ من { ليس لهم } أي ليس لهم شيء ممّا يعطاه الناس في الآخرة إلاّ النار . وهذا يدل على الخلود في النار فيدل على أن هؤلاء كفار عندنا .

والحَبْط : البطلان أي الانعدام .

والمراد ب { ما صنعوا } ما عملوا ، ومن الإحسان من الدنيا كإطعام العُفاة ونحوه من مواساة بعضهم بعضاً ، ولذلك عبر هنا ب { صنعوا } لأنّ الإحسان يسمى صنيعة .

وضمير { فيها } يجوز أن يعود إلى { الدنيا } المتحدث عنها فيتعلّق المجرور بفعل { صنعوا } . ويجوز أن يعود إلى { الآخرة } فيتعلق المجرور بفعل ( بطل ) ، أي انعدم أثره . ومعنى الكلام تنبيه على أن حظهم من النعمة هو ما يحصل لهم في الدنيا وأن رحمة الله بهم لا تعدو ذلك . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما ذكر له فارس والروم وما هم فيه من المتعة « أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا » والباطل : الشيء الذي يذهب ضياعاً وخسراناً .