الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (16)

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } في الدنيا { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال مجاهد : هم أهل الربا .

وروى ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال : حدثني الوليد بن أبي الوليد بن عثمان أن عقبة بن مسلم حدّثه أن شقي بن قابع الأصبحي حدّثنا أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا ؟ قيل : أبو هريرة .

قال : فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت : وانشدك الله لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عقلته وعلمته ] فقال : لأحدّثنّك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ هذا البيت ] ثم غشي عليه ثم أفاق فقال : أحدثك حديثاً حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ولم يكن أحد غيره وغيري ، ثم شهق أبو هريرة شهقة شديدة ثم قال : [ فأرى على وجهه ثمّ استغشى ] طويلا ثم أفاق فقال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة دعا العباد ليقضي بينهم ، وكل أُمة جاثية فأول من يدعو رجل جمع القرآن ، ورجل قُتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال . فيقول الله للقارئ : ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب . قال : ماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله تعالى له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، فيقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله له : ألم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى رب ، قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟

قال : كنت أصل الرحم وأتصدّق ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان جواد فقد قيل ذلك . ويؤتى بالذي قُتل في سبيل الله فيقال له : في ماذا قُتلت ؟ فيقول : أُمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قُتلت ، فيقول الله : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال فلان جريء ، فقد قيل ذلك " ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : " يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " .

قال الوليد : وأخبرني غيره أن شقياً دخل على معاوية وأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية : وقد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية [ وضرب خدّيه ] حتى ظننّا أنه هالك ، ثم أفاق معاوية لا يمسح وجهه وقال : صدق الله ورسوله { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } وقرأ إلى قوله : { بَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .