اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (16)

قوله تعالى : { أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } في الدنيا { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } هذه الآية إشارة إلى التَّخليد في النَّار ، والمؤمن لا يخلدُ ، لقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] .

قوله : { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } يجوز أن يتعلَّق " فِيهَا " ب " حَبِطَ " والضميرُ على هذا يعودُ على الآخرة ، أي وظهر حبوطُ ما صنعوا في الآخرة ، ويجوزُ أن يتعلَّق ب " صَنَعُوا " فالضَّميرُ يعودُ على الحياةِ الدُّنيا كما عاد عليها في قوله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } [ هود : 15 ] .

و " ما " في " مَا صَنَعُوا " يجوز أن تكون بمعنى الذي ، فالعائدُ محذوفٌ ، أي : الذي صنعوه ، وأن تكون مصدرية ، أي : وحبط صنعهم .

قوله : { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قرأ الجمهورُ برفع الباطل ، وفيه ثلاثةُ أوجه :

أحدها : أن يكون " بَاطِلٌ " خبراً مقدماص ، و " مَا كانُوا يَعْمَلُون " مبتدأ مؤخَّر ، و " ما " تحتملُ أن تكون مصدرية ، أي : وباطلٌ كونهم عاملين ، وأن تكون بمعنى " الذي " والعائدُ محذوفٌ ، أي : يعملونه ، وهذا على أنَّ الكلام من عطف الجملِ ، عطف هذه الجملة على ما قبلها .

الثاني : أن يكون " باطل " مبتدأ ، و " مَا كانُوا يَعْمَلُون " خبرهُ ، قال مكي ، ولم يذكر غيره ، وفيه نظر .

الثالث : أن يكون " بَاطِلٌ " عطفاً على الأخبار قبله ، أي : أولئك باطلٌ ما كانوا يعملون و " ما كانُوا يَعْمَلُونَ " فاعلٌ ب " بَاطِلٌ " ، ويرجح هذا ما قرأ{[18715]} به زيد بن علي " وبَطَلَ ما كانُوا يَعملُونَ " جعله فعلاً ماضياً معطوفاً على " حَبطَ " .

وقرأ أبيّ{[18716]} وابن مسعود : " وبَاطلاً " .

قال مكيّ{[18717]} : " وهي في مصحفهما كذلك " .

ونقلها الزمخشري عن عاصم " وبَاطِلاً " نصباً ، وفيها ثلاثةُ أوجهٍ :

أحدها : أنَّه منصوبٌ ب " يَعْمَلُون " و " ما " مزيدة ، وإلى هذا ذهب مكي ، وأبو البقاءِ وصاحب اللوامح ، وفيه تقديمُ معمولِ خبر " كان " على " كان " وهي مسألةُ خلافٍ ، والصحيحُ جوازها ، كقوله تعالى

{ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ سبأ : 40 ] ، فالظاهرُ أنَّ " إيَّاكُمْ " منصوب ب " يَعْبُدُون " .

والثاني : أن تكون " ما " إبهامية ، وتنتصب ب " يَعْمَلُون " ومعناه : " باطلاً أي باطلٍ كانُوا يَعْمَلُون " .

والثالث : أن يكون " بَاطِلاً " بمعنى المصدر على بطل بُطلاناً ما كانوا يعملون ، ذكر هذين الوجهين الزمخشري ، ومعنى قوله " ما " إبهامية أنها هنا صفةٌ للنَّكرة قبلها ، ولذلك قدَّرها ب " باطلاً أيَّ باطلٍ " فهو كقوله : [ المديد ]

. . . *** وحَديثٌ ما عَلَى قِصَرِهْ{[18718]}

و " لأمرٍ ما جدعَ قصيرٌ أنفهُ " ، وقد قدَّم هو ذلك في قوله تعالى : { مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } [ البقرة : 26 ] .


[18715]:ينظر: البحر المحيط 5/211، والدر المصون 4/85.
[18716]:نقلها الزمخشري عن عاصم ينظر: الكشاف 2/384 والمحرر الوجيز 3/157 والبحر المحيط 5/211 والدر المصون 4/85.
[18717]:ينظر: المشكل 1/394.
[18718]:تقدم.