واختلف أهل التفسير في هذه الآية ، فقال الضحاك : نزلت في الكفار ، واختاره النحاس بدليل الآية التي بعدها { أُوْلَئِكَ الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار } . وقيل : الآية واردة في الناس على العموم ، كافرهم ومسلمهم . والمعنى : أن من كان يريد بعمله حظّ الدنيا يكافأ بذلك ، والمراد بزينتها : ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن ، والسعة في الرزق ، وارتفاع الحظّ ، ونفاذ القول ، ونحو ذلك . وإدخال { كان } في الآية يفيد أنهم مستمرّون على إرادة الدنيا بأعمالهم ، لا يكادون يريدون الآخرة ، ولهذا قيل : إنهم مع إعطائهم حظوظ الدنيا يعذّبون في الآخرة ، لأنهم جرّدوا قصدهم إلى الدنيا ، ولم يعملوا للآخرة . وظاهر قوله : { نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } أن من أراد بعمله الدنيا حصل له الجزاء الدنيوي ولا محالة ، ولكن الواقع في الخارج يخالف ذلك ، فليس كل متمنّ ينال من الدنيا أمنيته ، وإن عمل لها وأرادها ، فلا بد من تقييد ذلك بمشيئة الله سبحانه . قال القرطبي : ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة ، وكذلك الآية التي في الشورى { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا } . وكذلك { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا } قيدتها وفسرتها التي في سبحان { مَن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُرِيدُ } قوله : { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } أي : وهؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم فيها : أي في الدنيا لا يبخسون : أي لا ينقصون من جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها ، وذلك في الغالب ، وليس بمطرد ، بل إن قضت به مشيئته سبحانه ، ورجحته حكمته البالغة . وقال القاضي : معنى الآية : من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها ، نوفّ إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا ، وهو ما ينالون من الصحة والكفاف ، وسائر اللذات والمنافع ، فخصّ الجزاء بمثل ما ذكره ، وهو حاصل لكل عامل للدنيا ، ولو كان قليلاً يسيراً .
قوله : { أُوْلَئِكَ الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار } الإشارة إلى المريدين المذكورين ، ولا بدّ من تقييد هذا بأنهم لم يريدوا الآخرة بشيء من الأعمال المعتدّ بها ، الموجبة للجزاء الحسن في الدار الآخرة ، أو تكون الآية خاصة بالكفار ، كما تقدّم { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ } أي : ظهر في الدار الآخرة حبوط ما صنعوه من الأعمال التي كانت صورتها صورة الطاعات الموجبة للجزاء الأخروي ، لولا أنهم أفسدوها بفساد مقاصدهم ، وعدم الخلوص ، وإرادة ما عند الله في دار الجزاء ، بل قصروا ذلك على الدنيا وزينتها ؛ ثم حكم سبحانه ببطلان عملهم فقال : { وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : أنه كان عملهم في نفسه باطلاً غير معتدّ به ، لأنه لم يعمل لوجه صحيح يوجب الجزاء ، ويترتب عليه ما يترتب على العمل الصحيح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.