التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا} (11)

تفريع هذه الجملة بالفاء إما على جملة دعائهم ، فيؤذن بأن مضمونها استجابة دعوتهم ، فجعل الله إنامتهم كرامة لهم . بأن سلمهم من التعذيب بأيدي أعدائهم ، وأيد بذلك أنهم على الحق ، وأرى الناس ذلك بعد زمن طويل .

وإما على جملة { إذ أوى الفتية } [ الكهف : 10 ] الخ فيؤذن بأن الله عجَل لهم حصول ما قصدوه مما لم يكن في حسبانهم .

والضرب : هنا بمعنى الوضع ، كما يقال : ضرب عليه حجاباً ، ومنه قوله تعالى : { ضربت عليهم الذلة } [ البقرة : 61 ] ، وقد تقدم تفصيله عند قوله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما } [ البقرة : 26 ] .

وحذف مفعول ضربنا } لظهوره ، أي ضربنا على آذانهم غشاوة أو حائلاً عن السمع ، كما يقال : بنَى على امرأته ، تقديره : بنى بيتاً . والضرب على الآذان كناية عن الإنامة لأن النوم الثقيل يستلزم عدم السمع ، لأن السمع السليم لا يحجبه إلا النوم ، بخلاف البصر الصحيح فقد يحجب بتغميض الأجفان .

وهذه الكناية من خصائص القرآن لم تكن معروفة قبل هذه الآية وهي من الإعجاز .

و { عدداً } نعتُ { سنين } . والعدد : مستعمل في الكثرة ، أي سنين ذات عدد كثير . ونظيره ما في حديث بدء الوحي من قول عائشة : فكان يخرج إلى غار حراء فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد » تريد الكثيرة . وقد أجمل العدد هنا تبعاً لإجمال القصة .