التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

ضمير { إنه } ضمير الشأن ، وجملة : { أنا الله العزيز الحكيم } خبر عن ضمير الشأن . والمعنى : إعلامه بأن أمراً مهماً يجب علمه وهو أن الله عزيز حكيم ، أي لا يغلبه شيء ، لا يستصعب عليه تكوين .

وتقديم هذا بين يدي ما سيلقى إليه من الأمر لإحداث رِبَاطَة جأْش لموسى ليعلم أنه خلعت عليه النبوءة إذ ألقي إليه الوحي ، ويعلم أنه سيتعرض إلى أذى وتألب عليه ، وذلك كناية عن كونه سيصير رسولاً ، وأن الله يؤيده وينصره على كل قوي ، وليعلمَ أن ما شاهد من النار وما تلقّاه من الوحي وما سيشاهده من قلب العصا حية ليس بعجيب في جانب حكمة الله تعالى ، فتلك ثلاث كنايات ، فلذلك أتبع هذا بقوله : { وألق عصاك } . والمعنى : وقلنا ألق عصاك .

والاهتزاز : الاضطراب ، وهو افتعال من الهَزّ وهو الرفع كأنها تطاوع فعل هازَ يهزُّها . والجانّ : ذَكَر الحيات ، وهو شديد الاهتزاز وجمعه جِنّان ( وأما الجانّ بمعنى واحد الجن فاسم جمعه جنّ ) . والتشبيه في سرعة الاضطراب لأن الحيات خفيفة التحرك ، وأما تشبيه العصا بالثعبان في آية { فإذا هي ثعبان مبين } [ الأعراف : 107 ] فذلك لضخامة الجرم .

والتولي : الرجوع عن السير في طريقه . وفعل ( تولى ) مرادف فعل { ولّى } كما هو ظاهر صنيع « القاموس » وإن كان مقتضى ما في فعل ( تولى ) من زيادة المبنى أن يفيد ( تولى ) زيادة في معنى الفعل . وقد قال تعالى : { ثم تولى إلى الظل } في سورة القصص ( 24 ) .