اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (9)

ولما نزه نفسه ، - وهو المنزه من كل سوء وعيب - تعرف إلى موسى بصفاته في{[38316]} قوله : { يا موسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم } . في اسم «إنَّ » وجهان : أظهرهما أنَّه ضمير الشأن ( «وَأَنَّا اللَّهُ » مبتدأ ){[38317]} وخبره ، و{[38318]} «العزيز الحَكِيمُ » صفتان لله .

والثاني : أنه ضمير راجع إلى ما دلَّ عليه ما قبله ، يعني : إن مكلِّمك أنا ، و «الله » بيان ل «أَنَا » ، و «العَزِيزُ الحَكِيمُ » : صفتان للبيان قاله الزمخشري{[38319]} . قال أبو حيان ، وإذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فلا يجوز أن يعود الضمير على ذلك المحذوف : إذ{[38320]} قد غيِّر الفعل عن بنائه له{[38321]} وعزم على أن لا يكون محدِّثاً عنه ، فعود الضمير إليه ممَّا ينافي ذلك ؛ إذ يصير{[38322]} معتنًى به{[38323]} . قال شهاب الدين : وفيه نظر ، لأنه قد يلتفت إليه ، وقد تقدم ذلك في البقرة عند قوله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ } ، ثم قال : «وَأَدَاءٌ إلَيْهِ »{[38324]} ، قيل : إلا الذي عفي له{[38325]} وهو وليُّ الدم ما تقدم تحريره{[38326]} ولئن سلِّم ذلك ، فالزمخشري{[38327]} لم يقل إنه عائد على ذلك الفاعل ، إنما قال : راجع إلى ما دل عليه ما قبله يعني من ( السِّياق{[38328]} ){[38329]} .

وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون ضمير ربِّ : أي : إن الرب أنا الله ، فيكون «أنَا » فصلاً أو توكيداً أو خبر إن ، والله بدل منه{[38330]} . وقيل : الهاء في قوله «إنَّهُ » عماد{[38331]} ، وليست كناية ، فإن قيل : هذا النداء قد يجوز أن يكون من عند غير الله ، فكيف علم موسى أنه من الله ؟ .

فالجواب : لأهل السنة فيه طريقان : الأول : أنه سمع الكلام المنزه عن مشابهة كلام المخلوقين ، فعلم بالضرورة أنه صفة الله .

الثاني : قول أئمة ما وراء النهر{[38332]} ، وهو أنه - عليه السلام{[38333]} - سمع الصوت من الشجرة ، فنقول : إنما عرف أن ذلك من الله تعالى لأمور :

أحدها : أن النداء إذا حصل في النار أو الشجرة ، علم أنه من قبل الله تعالى : لأن أحداً منا لا يقدر عليه ، وهذا ضعيف ، لاحتمال أن الشيطان دخل في النار والشجرة ، ثم نادى .

والثاني : يجوز في نفس النداء أن يكون قد بلغ في العظم مبلغاً لا يكون إلا معجزاً ، وهو أيضاً ضعيف ، لأنا لا نعرف مقادير قوى الملائكة والشياطين ، فلا قدر إلا ويجوز صدوره منهم .

وثالثها : أنه قد يقترن به معجز دل على ذلك ، وقيل : إن النار كانت مشتعلة في شجرة خضراء لم تحترق ، فصار ذلك كالمعجزة{[38334]} وهذا أيضاً في غاية الضعف والبعد ، لأنه كيف تنادي النار أو{[38335]} الشجرة ، وتقول : يا موسى إني أنا ربك ، أو{[38336]} إني أنا الله رب العالمين ! ! .


[38316]:في: سقط من ب.
[38317]:ما بين القوسين سقط من ب.
[38318]:و: سقط من ب.
[38319]:انظر الكشاف 3/134.
[38320]:في ب: و.
[38321]:له: تكملة من البحر المحيط.
[38322]:في البحر المحيط: مقصوداً.
[38323]:البحر المحيط 7/56.
[38324]:من قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء بإحسان}[البقرة: 178].
[38325]:له: تكملة ليست في المخطوط.
[38326]:انظر اللباب 1/352. ووجه التنظير بالآية ظاهر.
[38327]:في ب: قال الزمخشري. وهو تحريف.
[38328]:الدر المصون 5/178.
[38329]:ما بين القوسين في ب: السياق وذلك.
[38330]:التبيان: 2/1005.
[38331]:قال الفراء: (وقوله: "إنه أنا الله" هذه الهاء هاء عماد، وهو اسم لا يظهر) المعاني 2/287.
[38332]:في ب: ما ورد النهي. وهو تحريف.
[38333]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[38334]:انظر الفخر الرازي 24/182-183. وفيه: وهذا هو الأصح والله أعلم.
[38335]:في ب : و.
[38336]:في ب : و.