التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (28)

الإِشارة ب { ذلك جَزَاءُ أعْدَاءِ الله } إلى ما تقدم وهو الجزاء والعذاب الشديد على أسوأ أعمالهم . وأعداءُ الله : هم المشركون الذين تقدم ذكرهم بقوله تعالى : { ويَوْمَ نَحْشُر أعْدَاءَ الله } [ فصلت : 19 ] .

والنار عطف بيان من { جَزَاءُ أعْدَاءِ الله } .

و { دَارُ الخُلْدِ } : النار . فقوله : { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } جَاء بالظرفية بتنزيل النار منزلة ظرف لدار الخلد وما دار الخلد إلاّ عين النار . وهذا من أسلوب التجريد ليفيد مبالغة معنى الخلد في النار . وهو معدود من المحسنات البديعية ، ومنه قوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول اللَّه أسوة حسنة } [ الأحزاب : 21 ] وقول أبي حامد العتَّابي :

وفي الرحمان للضعفاء كافي

أي والرحمان كاف للضعفاء .

و { الخلد } : طول البقاء ، وأطلق في اصطلاح القرآن على البقاء المؤبد الذي لا نهاية له .

وانتصب { جَزَآءُ } على الحال من { دَارُ الخُلْدِ } . والباء للسببية . و ( ما ) مصدرية ، أي جزاء بسبب كونهم يجحدون بآياتنا .

وصيغة المضارع في { يَجْحَدُونَ } دالّة على تجدد الجحود حيناً فحيناً وتكرره . وعدي فعل { يَجْحَدُونَ } بالباء لتضمينه معنى : يُكذِّبون . وتقديم { بآياتِنَا } للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .