اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (28)

قوله تعالى : «ذَلِكَ » فيه وجهان :

أحدهما : أنه مبتداً و «جزاء » خبره .

والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : الأمر ذلك { جزاء أَعْدَاءِ الله النار } جملة مستقلة مبنيةٌ للجملة قبلها{[48784]} .

( قوله ){[48785]} : «النار » فيه ثلاثة أوجه{[48786]} :

أحدها : أنها بدل من «جزاء » وفيه نظر ؛ إذ البدل يحل محلّ المبدل منه فيصير التقدير ذلك النار{[48787]} .

الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر{[48788]} .

الثالث : أنه مبتدأ و{ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } الخبر ، و«دَارُ » يجوز ارتفاعها بالفاعليَّة{[48789]} أو الابتداء{[48790]} .

وقوله : { فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } يقتضي أن يكون «دار الخلد » غير النار ، وليس كذلك بل النار هي نفس دار الخلد . وأجيب عن ذلك : بأنه قد يجعل الشيء ظرفاً لنفسه باعتبار متعلَّقه على سبي المبالغة ، لأن ذلك المتعلق صار مستقراً له ، وهو أبلغ من نسبة المتعلق إليه على سبيل الإخبار به عنه . ومثله قول الآخر :

4365 . . . . . . . . . . . . . . . *** وَفيِ اللهِ إنْ لَمْ تُنْصِفُوا حَكَمٌ عَدْلُ{[48791]}

وقوله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] والرسول هو نفس الأسوة . كذا أجابوا{[48792]} . وفيه نظر ؛ إذ الظاهر وهو معنى صحيح منقول أن في النار داراً تسمى دار الخلد ، والنار محيطة بها{[48793]} .

قوله : «جزاء » في نصبه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه منصوب بفعل مقدر ، وهو مصدر مؤكد ، أي يجزون جزاءً .

الثاني : أن يكون منصوبا بالمصدر الذي قبله ، وهو جزاء أعداء الله . والمصدر ينصب بمثله كقوله { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً } [ الإسراء : 63 ] .

الثالث : أن ينتصب على أنه مصدر واقع موقع الحال و«بِمَا » متعلق «بجزاء » الثاني إن لم يكن مؤكداً وبالأول إن كان ( مؤكداً ){[48794]} و«بِآيَاتِنَا » متعلق بيجحدون{[48795]} .

فصل

لما قال : { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ فصلت : 27 ] بين أن ذلك الأسوأ الذي جعل جزاء أعداء الله هو النار ، ثم قال : { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } ، أي لهم في جملة النار دارٌ معينة ، وهي دار العذاب الخلد ، { جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون } أي يبلغون في القراءة ، وسماه لآمنوا به فاستخرجوا ( تلك ){[48796]} الطريقة الفاسدة وذلك يدل على أنهم علموا كونه معجزاً وأنهم جحدوا حسداً{[48797]} .

قال الزمخشري : «أي{[48798]} بما كانوا يلغون ، فذكر الجحود ؛ لأنه سبب اللَّغو » انتهى .

يعني أنه من باب إقامة السبب مقام المسبَّب ، وهو مجاز سائغٌ .


[48784]:أعرب السمين هذه الوجهين في الدر المصون 4/731.
[48785]:زيادة من ب.
[48786]:قال بهذه الأوجه الثلاثة ابن الأنباري في البيان 2/339 والعكبري في التبيان 1126.
[48787]:فلا يصح المعنى المراد إذن.
[48788]:قال الزمخشري في الكشاف بهذين الوجهين الأولين ولم يشر إلى الثالث.
[48789]:فقد رفعت بالفاعلية لما تعلق به الجار والمجرور وهو "فيها" أي استقر لهم فيها دار الخلد.
[48790]:والخبر هو "لهم" أو فيها.
[48791]:من بحر الطويل لبشر بن صفوان الكلبي، وهو عجز بيت صدره: أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا ............................. ويروى: أباحت بدل أفاءت، وأفاءت من الفيء وهو ما يؤخذ من الأعداء. والشاهد: وفي الله ففي الكلام حذف أي وفي عدل الله حكم عدل، فلا يعتقد أن الله ظرف لشيء إلا باعتبار المتعلق فجاء هنا على سبيل المبالغة. وانظر الحماسة البصرية 2/367، والخصائص 2/475، والمحتسب 2/42، 106، ومعاهد التنصيص 1/254، والبحر المحيط 7/495، واللسان والتاج "حكم" والبيان 1/121، والدر المصون 4/732.
[48792]:انظر معاني القرآن للفراء 3/17، والكشاف 3/452 والبحر المحيط 3/495.
[48793]:لم أهتد فيما بحثت فيه عن قول يرشد إلى هذا.
[48794]:زيادة لتوضيح السياق وتبيينه.
[48795]:انظر التبيان لأبي البقاء 1126 والدر المصون 4/732.
[48796]:سقطت من ب.
[48797]:مع تغيير طفيف في العبارة من الرازي 27/120.
[48798]:في الكشاف جزاء بما كانوا يلغون، وانظر الكشاف 3/452.