إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ذَٰلِكَ جَزَآءُ أَعۡدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِيهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ} (28)

وقولُه تعالَى : { جَزَاء أَعْدَاء الله } خبرُهُ أيْ ما ذُكِرَ منَ الجزاءِ جزاءٌ معدٌّ لأعدائِه تعالَى . وقولُه تعالَى : { النار } عطفُ بيانٍ للجزاءِ أو ذلكَ خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، أي الأمرُ ذلكَ على أنه عبارةٌ عن مضمونِ الجملةِ لا عن الجزاءِ ، وما بعدَهُ جملةٌ مستقلةٌ مبنيةٌ لما قبلَها . وقولُه تعالى { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } جملةٌ مستقلةٌ مقررةٌ لما قبلَها ، أو النارُ مبتدأٌ هيَ خبرُهُ أي هيَ بعينِها دارُ إقامتِهم على أنَّ التجريدِ- وهُو أنْ يُنتزَعَ من أمرٍ ذي صفةٍ أمرٌ آخرُ مثلُه- مبالغةٌ لكماله فيهَا ، كما يقالُ : في البيضةِ{[710]} عشرونَ مناً حديدٌ وقيلَ : هيَ على مَعناها والمرادُ أنَّ لهم في النارِ المشتملةِ على الدركاتِ داراً مخصوصةً هم فيها خالدونَ { جَزَاء بِمَا كَانُواْ بآياتنا يَجْحَدُونَ } منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ ، أي يُجزون جزاءً أو بالمصدرِ السابقِ فإن المصدرَ ينتصبُ بمثلِه كما في قولِه تعالى : { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاء موفُورًا } [ سورة الإسراء ، الآية63 ] والباءُ الأُولى متعلقةٌ بجزاءً ، والثانيةُ بيجحدونَ قدمتْ عليهِ لمراعاةِ الفواصلِ ، أي بسببِ ما كانُوا يجحدونَ بآياتِنا الحقَّةِ أو يلغَون فيها وذِكْرُ الجحودِ لكونِه سبباً للغوِ .


[710]:المن: كيل أو ميزان أو رطلان جمعه أمنان.