التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (31)

وافتتح بيان حال الذين كفروا بما يقال لهم من التوبيخ والتقرير من قِبَل الله تعالى ، فقوله : { أفلم تكن آياتي } مقول قول محذوف لظهور أن ذلك خطاب صادر من متكلم من جانب الله تعالى فيقدر فيقال لهم على طريقة قوله بعد { وقيل اليوم ننساكم } [ الجاثية : 34 ] . والفاء جواب { أمّا } ، أو فيقال لهم { أفلم تكن آياتي تتلى عليكم } فلما حذف فعل القول قُدم حرف الاستفهام على فاء الجواب اعتداداً باستحقاقه التصديرَ كما يُقدم الاستفهام على حروف العطف . ولم يتعدّ بالمحذوف لأن التقديم لدفع الكراهة اللفظية من تأخر الاستفهام عن الحرف وهي موجُودة بعد حذف ما حُذف .

والاستفهام توبيخ وتقرير . والمراد بالآيات القرآن ، أي فاستكبرتم على الأخذ بها ولم تقتصروا على الاستكبار بل كنتم قوماً مجرمين ، أي لم تفدكم مواعظ القرآن صلاحاً لأنفسهم بما سمعتم منه . وإقحام { قوماً } دون الاقتصار على : وكنتم مجرمين ، للدلالة على أن الإجرام صار خُلقاً لهم وخالط نفوسهم حتى صار من مقومات قوميتهم وقد قدمناه غير مرة .