التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمۡ قَآئِمُونَ} (33)

وقوله : { والذين هم بشهادتهم قائمون } ذكر لمناسبة ذكر رعي الأمانات إذ الشهادة من جملة الأمانات لأن حق المشهود له وديعة في حفظ الشاهد فإذا أدى شهادته فكأنه أدى أمانة لصاحب الحق المشهود له كانت في حفظ الشاهد .

ولذلك كان أداء الشهادة إذا طولب به الشاهد واجباً عليه ، قال تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دُعوا } [ البقرة : 282 ] .

والقيام بالشهادة : الاهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى ، وهذا قيام مجازي كما تقدم عند قوله تعالى : { ويقيمون الصلاة } في سورة البقرة ( 3 ) .

وباء { بشهادتهم } للمصاحبة ، أي يقومون مصاحبين للشهادة ويصير معنى الباء في الاستعارة معنى التعدية .

فذكر القيام بالشهادة إتمام لخصال أهل الإِسلام فلا يتطلب له مقابل من خصال أهل الشرك المذكورة فيما تقدم .

والقول في اسمية جملة الصلة للغرض الذي تقدم لأن أداء الشهادة يشق على الناس إذ قد يكون المشهود عليه قريباً أو صديقاً ، وقد تثير الشهادة على المرء إِحْنَة منه وعداوة .

وقرأ الجمهور { بشهادتهم } بصيغة الإِفراد ، وهو اسم جنس يعم جميع الشهادات التي تحملوها . وقرأ حفص ويعقوب { بشهاداتهم } بصيغة الجمع . وذلك على اعتبار جمع المضاف إليه .