التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا ثُمَّ يُنجِيهِ} (14)

{ ومن في الأرض جميعاً } عطف على { بنِيه } ، أي ويفتدي بمن في الأرض ، أي ومن له في الأرض مما يعزّ عليه من أخلاء وقرابة ونفائس الأموال مما شأن الناس الشح ببذله والرغبة في استبقائه على نحو قوله تعالى : { فلن يقبل من أحدهم مِلْءُ الأرض ذهباً ولو افتدى به } [ آل عمران : 91 ] .

و { مَن } الموصولة لتغليب العاقل على غيره لأن منهم الأخلاء .

و { ثم } في قوله : { ثم ينجيه } للتراخي الرتبي ، أي يودّ بذل ذلك وأن ينجيه الفداء من العذاب ، فالإِنجاء من العذاب هو الأهم عند المجرم في ودادته والضمير البارز في قوله : { ينجيه } عائد إلى الافتداء المفهوم من { يفتدي } على نحو قوله تعالى : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .

والمعطوف ب { ثم } هو المسبب عن الودادة فلذلك كان الظاهر أن يعطف بالفاء وهو الأكثر في مثله كقوله تعالى : { ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكُونون سواء } [ النساء : 89 ] وقوله : { ودُّوا لو تدهن فيدهنون } [ القلم : 9 ] ، فعدل عن عطفه بالفاء هنا إلى عطفه ب { ثم } للدلالة على شدة اهتمام المجرم بالنجاة بأية وسيلة .

ومتعلق { ينجيه } محذوف يدل عليه قوله : { من عذاب يومئذٍ .