واللام في قوله تعالى : { ليجزي } لام الصيرورة والعاقبة ، ويحتمل أن تكون لام كي ، وتعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم والتوبة موازية لتلك الإدامة وثمرة التوبة تركهم دون عذاب فهما درجتان : إقامة على نفاق ، أو توبة منه ، وعنهما ثمرتان تعذيب ، أو رحمة ، فذكر تعالى على جهة الإيجاز واحدة من هاتين ، وواحدة من هاتين ، ودل ما ذكر على ما ترك ذكره ويدلك على أن معنى قوله «ليعذب » ليديم على النفاق قوله { إن شاء } ومعادلته بالتوبة وبحرف { أو } ولا يجوز أحد أن { إن شاء } يصح في تعذيب منافق على نفاقه بل قد حتم الله على نفسه بتعذيبه{[9491]} .
لام التعليل يتنازعه من التعلق كل من { صدقوا } و { ما بَدلوا } [ الأحزاب : 23 ] أي : صدق المؤمنون عهدهم وبدَّله المنافقون ليجزي الله الصادقين ويعذّب المنافقين .
ولام التعليل بالنسبة إلى فعل { ليجزي الله الصادقين } مستعمل في حقيقة معناه ، وبالنسبة إلى فِعل { ويُعذب } مستعار لمعنى فاء العاقبة تشبيهاً لعاقبة فعلهم بالعلة الباعثة على ما اجترحُوه من التبديل والخيس بالعهد تشبيهاً يفيد عنايتهم بما فعلوه من التبديل حتى كأنهم ساعون إلى طلب ما حَقَّ عليهم من العذاب على فعلهم ، أو تشبيهاً إياهم في عنادهم وكيدهم بالعالم بالجزاء الساعي إليه وإن كان فيه هلاكه .
والجزاء : الثواب لأن أكثر ما يستعمل فعل جَزى أن يكون في الخير ، ولأن ذكر سبب الجزاء وهو { بصدقهم } يدل على أنه جزاء إحسان ، وقد جاء الجزاء في ضد ذلك في قوله تعالى { اليوم تُجْزَوْن عذابَ الهون } في سورة الأنعام ( 93 ) . وإظهار اسم الجلالة في مقام إضماره للدلالة على عظمة الجزاء .
وتعليق التعذيب على المشيئة تنبيه لهم بسَعَة رحمة الله وأنه لا يقطع رجاءهم في السعي إلى مغفرة ما أتوه بأن يتُوبوا فيتوب الله عليهم فلما قابل تعذيبه إياهم بتوبته عليهم تعين أن التعذيب باققٍ عند عدم توبتهم لقوله في الآية الأخرى : { إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به } [ النساء : 48 ] . والتوبة هنا هي التوبة من النفاق ، أي : هي إخلاص الإيمان ، وقد تاب كثير من المنافقين بعد ذلك ، منهم معتِّب بن قشير .
وجملة { إن اللَّه كان غفوراً رحيماً } تعليل للجزاء والتعذيب كليهما على التوزيع ، أي غفور للمذنب إذا أناب إليه ، رحيم بالمحسن أن يجازيه على قدر نصبه .
وفي ذكر فعل كان } إفادة أن المغفرة والرحمة صفتان ذاتيتان له كما قدمناه غير مرة ، من ذلك عند قوله تعالى { أكان للناس عجباً أن أوحينا } في أول سورة يونس ( 2 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.