اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

قوله : «لِيَجْزِيَ اللَّهُ » فيه وجهان :

أحدهما : أنها لام العلة .

والثاني : أنها لام الصيرورة ، وفيما يتعلق به أوجه إما «بصَدَقَوا » وإما «بزَادَهُمْ » وإما بمَا بَدَّلُوا{[43368]} وعلى هذا قال الزمخشري : جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوقٌ إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلها ، والمعنى ليجزي الله الصادقين بصدقهم أي جزاء صدقهم وهو الوفاء بالعهد .

{ وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَاءَ } أي الذين كذبوا وأخلفوا ، وقوله : «إنْ شَاءَ » ذلك فيمنعهم من الإيمان أو يتوب عليهم إن أراد ( «وأو{[43369]} » ) وجواب إن شاء مقدر وكذلك مفعول «شاء » أي إن شاء تعذيبَهم عَذَّبهم{[43370]} ، فإن قيل : عذابهم متحتم فكيف يصح تعليقه على المشيئة وهو قد شاء تعذيبهم إذا ماتوا على النفاق ؟ ! . فأجاب ابن عطية بأن تعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم ، والعقوبة{[43371]} موازية لتلك الإقامة وثمرة التوبة تركهم دون عذاب فهما درجتان إقامة على نفاق ، أو توبة منه وعنهما ثمرتان تعذيب أو رحمة فذكر تعالى على جهة الإيجاز واحدةً من هاتين وواحدة ( من{[43372]} هاتين ) ما ذكر على ما ترك ذكره ، ويدل على أن معنى قوله : «ليُعَذِّب » ليديم على النفاق ، قَوْلُهُ : «إنْ شَاءَ » ومعادلته بالتوبة وحرف «أو{[43373]} » . قال أبو حيان وكان ما ذكر يؤول إلى أن التقدير : ليقيموا على النفاق فيموتوا عليه إن شاء فيعذبهم أو يتوب عليهم فيرحمهم فحذف سبب التعذيب وأثبت المسبَّب وهو التعذيب{[43374]} ، وأثبت سبب الرحمة والغفران وحذف المسبب وهو الرحمة والغفران ، وقال ابن الخطيب إنما قال ذلك حيث لم يكن قد حصل ما بين{[43375]} النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إيمانهم وآمن بعد ذلك ناس { وكان الله غفوراً } حيث ستر ذنبهم و «رحيماً » حيث رحمهم ورزقهم الإيمان فيكون هذا فيمن آمن بعده . أو نقول «ويعذب المنافقين » مع أنه كان غفوراً رحيماً لكثرة ذنوبهم وقوة جرمهم ولو كان دون ذلك لغفر لهم


[43368]:الدر المصون 4/379 وانظر: البحر 7/223 والكشاف 3/257.
[43369]:زيادة لا معنى لها.
[43370]:قاله السمين في الدر المصون 4/379.
[43371]:في البحر والسمين و"ب" والتوبة دون العقوبة.
[43372]:في المرجعين السابقين ولكنه ساقط من "ب".
[43373]:انظر: البحر 7/223 والدر المصون 4/379.
[43374]:المرجع السابق قال: وهذا من الإيجاز الحسن البحر 7/223.
[43375]:في تفسيره "يأس النبي".