السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

{ ليجزي الله } أي : الذي يريد إظهار جميع صفاته يوم البعث للخاص والعام ظهوراً تاماً { الصادقين } أي : في الوفاء بالعهد وادعاء أنهم آمنوا به { بصدقهم } أي : فيعلي أمرهم وينعمهم في الآخرة فالصدق سبب وإن كان فضلاً منه لأنه الموفق له .

تنبيه : في لام ليجزي وجهان : أحدهما : أنها لام العلة ، والثاني : أنها لام الصيرورة وفيما تتعلق به أوجه : إما بصدقوا ، وإما بما زادهم ، وإما بما بدلوا ، وعلى هذا جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوا بتبديلهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب ، فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلهما { ويعذب المنافقين } أي : الذين أخفوا الكفر وأظهروا الإسلام في الدارين بكذبهم في دعواهم الإيمان المقتضي لبيع النفس والمال { إن شاء } بأن يميتهم على نفاقهم { أو يتوب عليهم } إن شاء بأن يهديهم إلى التوبة فيتوبوا فالكل بإرادته .

تنبيه : جواب إن شاء مقدر ، وكذا مفعول شاء أي : إن شاء تعذيبهم عذبهم ، وقرأ قالون والبزي وأبو عمر بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر ، وسهل ورش وقنبل الثانية وأبدلاها أيضاً حرف مد وحققها الباقون وفي الابتداء بالثانية الجميع بالتحقيق .

ولما كانت توبة المنافقين مستبعدة لما يرون من صلابتهم في الخداع وخبث سرائرهم قال معللاً ذلك كله على وجه التأكيد : { إن الله } أي : بما له من الجلال والجمال { كان } أزلاً وأبداً { غفوراً } لمن تاب { رحيماً } بهم .