المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} (22)

وقرأ جمهور الناس : «على أُمة » بضم الهمزة ، وهي بمعنى الملة والديانة ، والآية على هذا تعيب عليهم التقليد . وقرأ مجاهد والعبدري وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : «على إمة » بكسر الهمزة وهي بمعنى النعمة ، ومنه قول الأعشى :

ولا الملك النعمان يوم لقيته . . . بإمته يعطي القطوط ويافق{[10193]}

ومنه قول عدي بن زيد : [ الخفيف ]

ثم بعد الفلاح والملك والإمّ . . . ة وارتهم هناك القبور{[10194]}

فالآية على هذا استمرار في احتجاجهم ، لأنهم يقولون : وجدنا آباءنا في نعمة من الله وهم يعبدون الأصنام ، فذلك دليل رضاه عنهم ، وكذلك اهتدينا نحن بذلك { على آثارهم } . وذكر الطبري عن قوم : أن الأمة الطريقة ، مصدر من قولك : أممت كذا أمة .


[10193]:البيت من قصيدته المعروفة التي يمدح بها المحلق بن خنثم، والتي يقول في مطلعها: (أرقت وما هذا السهاد المؤرق)، والملك النعمان هو النعمان الثالث أبو قابوس، والإماة: النعمة، وهي موضع الاستشهاد هنا، والقطوط: الحظوظ والأنصبة، واحدها قط بمعنى نصيب، ويأفق: يعطي بعضا أكثر من بعض.
[10194]:هو عدي بن زيد العبادي، والبيت من قصيدة له تعد من روائع الشعر العربي، وقد بدأها بقوله: أرواح مودع أم بكور لك؟ فاعمد لأي حال تصير وفيها يصور الحياة وكيف انتهت بالملوك إلى الفناء بعد النعمة والعزة، يقول: أين كسرى وبنو الأصفر وصاحب الحصن العظيم المسمى بالحضر؟ ثم يصل إلى بيت الشاهد فيقول: إنهم بعد الفلاح والملك والعيش في غضارة ونعمة قد ذهبوا ووارتهم القبور، والشاهد أن الإمة بكسر الهمزة هي: النعمة وغضارة العيش. هذا والبيت في اللسان.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ} (22)

هذا إضراب إبطال عن الكلام السابق من قوله تعالى : { فهم به مستمسكون } [ الزخرف : 21 ] فهو إبطال للمنفي لا للنفي ، أي ليس لهم علم فيما قالوه ولا نقل . فكان هذا الكلام مسوقاً مساق الذمّ لهم إذ لم يقارنوا بين ما جاءهم به الرّسول وبين ما تلقوه من آبائهم فإن شأن العاقل أن يميّز ما يُلقَى إليه من الاختلاف ويعرضه على معيار الحق .

والأمة هنا بمعنى الملة والدّين ، كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء ( 92 ) { إنَّ هذه أمتكم أمةً واحدةً } وقول النابغة :

وهل يأثمن ذو أُمة وهو طائع

أي ذو دِين .

و{ على } استعارة تبعية للملابسة والتمكن .

وقوله : { على آثارهم } خبرُ ( إنَّ ) . و { مهتدون } خبر ثان . ويجوز أن يكون { على آثارهم } متعلقاً ب { مهتدون } بتضمين { مهتدون } معنى سائرون ، أي أنهم لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم ، وذلك ما يقولونه عند المحاجّة إذ لا حجة لهم غير ذلك . وجعلوا اتّباعهم إياهم اهتداء لشدة غرورهم بأحوال آبائهم بحيث لا يتأملون في مصادفة أحوالهم للحق .