المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (78)

لما قصد ، قصد ربه [ قال هذا ] فذكر أي هذا المرئيّ أو المنير ونحو هذا ، [ فلما أفلت ] الشمس لم يبق شيء يمثل لهم به ، فظهرت حجته وقوي بذلك على منابذتهم والتبري من إشراكهم ، وقوله : { إني بريء مما تشركون } يؤيد قول من قال : النازلة في حال الكبر والتكليف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (78)

قوله : { فلمَّا رأى الشمس بازغة } أي في الصباح بعد أن أفل القمر ، وذلك في إحدى الليالي التي يغرب فيها القمر قبيل طلوع الشمس لأنّ الظاهر أنّ هذا الاستدلال كلّه وقع في مجلس واحد .

وقوله للشمس { هذا ربِّي } باسم إشارة المذكّر مع أنّ الشمس تجري مجرى المؤنّث لأنّه اعتبرها ربّاً ، فروعي في الإشارة معنى الخبر ، فكأنَّه قال : هذا الجرْم الذي تدعونه الشمس تبيّن أنَّه هو ربِّي . وجملة { هذا ربي } جارية مجرى العلَّة لجملة { هذا ربِّي } المقتضية نقض ربوبية الكوكب والقمر وحصر الرّبوبيّة في الشمس ونفيها عن الكوكب والقمر ، ولذلك حذف المُفضّل عليه لظهوره ، أي هو أكبر منهما ، يعني أن الأكبر الأكثر إضاءة أولى باستحقاق الإلهية .

وقوله : { قال يا قوم إنِّي بريء ممَّا تشركون } ، إقناع لهم بأنْ لا يحاولوا موافقته إيَّاهم على ضلالهم لأنَّه لما انتفى استحقاق الإلهية عن أعظم الكواكب التي عبدوها فقد انتفى عمَّا دونها بالأحرى .

والبريء فعيل بمعنى فَاعِل من بَرىءَ بكسر الرّاء لا غير يَبرَأ بفتح الرّاء لا غير بمعنى تفصّى وتنزّه ونفَى المخالطة بينه وبين المجرور ب ( مِن ) . ومنه { أن الله بريء من المشركين } [ التوبة : 3 ] ، { فبرّأهُ الله ممَّا قالُوا } [ الأحزاب : 69 ] ، { وما أبرّىء نفسي } [ يوسف : 53 ] . فمعنى قوله { بريء } هنا أنَّه لا صلة بينه وبين ما يشركون .

والصلة في هذا المقام هي العبادة إن كان ما يشركون مراداً به الأصنام ، أو هي التلبّس والاتِّباع إن كان ما يشركون بمعنى الشرك .

والأظهر أنّ ( ما ) في قوله { ما تشركون } موصولة وأنّ العائد محذوف لأجل الفاصلة ، أي ما تشركون به ، كما سيأتي في قوله : { ولا أخاف ما تشركون به } [ الأنعام : 80 ] لأنّ الغالب في فعل البراءة أن يتعلَّق بالذوات ، ولئلاّ يتكرّر مع قوله بعده { وما أنا من المشركين } . ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية ، أي من إشراككم ، أي لا أتقلَّده .

وتسميته عبادتهم الأصنام إشراكاً لأنّ قومه كانوا يعترفون بالله ويشركون معه في الإلهية غيره كما كان إشراك العرب وهو ظاهر أي القرآن حيث ورد فيها الاحتجاج عليهم بخالق السماوات والأرض ، وهو المناسب لضرب المثل لمشركي العرب بشأن إبراهيم وقومه ، ولقوله الآتي { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [ الأنعام : 82 ] .