الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (78)

فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ } فعبدها حتى غابت الشمس فلما غابت { قَالَ يقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } .

وأنكر الآخرون هذا القول ، وقالوا : غير جائز أن يكون للّه عز وجل رسول يأتي عليه وقت من الأوقات وهو غير موحد وعارف ومن كلّ معبود سواه بريء .

قالوا : وكيف قومهم هذا على عصمة اللّه وطهره في مستقره ومستودعه وآتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوته فقال :

{ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] وقال { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [ الأنعام : 75 ] رأى كوكباً فقال { هَذَا رَبِّي } على الاعتقاد والحقيقة هذا ما لا يكون أبداً .

ثم قيل فيه أربعة أوجه من التأويل : الوجه الأول : أن إبراهيم ( عليه السلام ) أراد أن يستدرجهم بهذا القول ويعرفهم خطأهم وجهلهم في تعظيم ما عظموا ويقيم عليهم الحجة ويريهم أنه معظم ما يعظموه ويلتمس الهدى من حيث التمسوا فلما أفل رأيهم النقص الداخل في النجوم ليتبينوا خطأ ما يدعون وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمونها .

قالوا : ومثل هذا مثل الحواري الذي ورد على قوم يعبدون بدّاً لهم وهو الصنم وأظهر فعظمه فأراهم الإجتهاد [ . . . ] كرموا وصدوا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن ذمهم عدو لهم خافه الملك على ملكه فشاور الحواري في أمره .

فقالوا الرأي : أن تدعوا إلهنا حتى يكشف ما قد أضلنا فإنا لمثل هذا اليوم مجتمعون فاجتمعوا حوله يجأرون ويتضرعون وأمر عدوهم يستعجل ويتوكل فلما تبين لهم أن ربّهم لا ينفع ولا يرفع فقال لهم على جهة الإستفهام والتوبيخ لفعلهم { هَذَا رَبِّي } ومثل هذا يكون ربّاً ؟ أي ليس هذا ربي كقول اللّه تعالى

{ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] يعني أنهم الخالدون .

وكقول موسى ( عليه السلام ) لفرعون :

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ } [ الشعراء : 22 ] يعني أو تلك نعمة نعمتها .

قال الهذلي :

رفعوني وقالوا يا خويلد لا ترع *** فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

وقال آخر :

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا *** شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر

والوجه الثالث : أن إبراهيم ( عليه السلام ) قال هذا على وجه الاحتجاج على قومه لا على معنى الشك في ربه كأنه قال : هذا ربي عندكم فلمّا أفل قال : وكان الهلال قال : هذا أكبر منه فنظر إلى الذي عكفت عليه ها هنا يعني عندك وقوله :

{ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] بقوله حزنه في النار لأبي جهل يعني إنك كذا عند نفسك وأما عندنا فلا عزيزاً ولا كريماً ، في الآية إختصار وإضمار ومعناها قال : يقولون هذا ربي كقوله

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا } [ البقرة : 127 ] أي يقولون ربنا تقبل منا . فلما أفل غاب وزال قال : لا أحب الآفلين رباً ، لا يدوم ، فلما رأى القمر بازغاً طالعاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين عن الهدى فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي .

قال محمد بن مقاتل الرازي : إنما قال هذا ولم يقل هذه لأنه رأى ضوء الشمس ولم ير عين الشمس . فرده إلى الشعاع .

وقال الأخفش : أراد هذا الطالع ربي أو هذا الآتي أراه ربي هذا أكبر لأنه رآه أضوأ وأعظم فلما غربت قال : يا قوم إني بريء مما تشركون