السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (78)

{ فلما رأى الشمس بازغة } أي : عند طلوع النهار { قال } لهم { هذا ربي هذا أكبر } أي : من الكواكب والقمر ولم يقل هذه مع أنّ الشمس مؤنثة لأنه أراد هذا الطالع أو رده إلى المعنى وهو الضياء والنور لأنه رآه أضوأ من النجم والقمر أو ذكره لتذكير خبره { فلما أفلت } أي : غربت وقويت عليهم الحجة فلم يرجعوا { قال يا قوم إني بريء مما تشركون } أي : بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث التي تجعلونها شركاء لخالقها ، والوجه الثاني : من التأويل أنه قال ذلك على وجه الاستفهام تقديره : أهذا ربي ؟ كقوله تعالى : { أفإن مت فهم الخالدون } ( الأنبياء ، 34 ) .

أي : أفهم الخالدون وذكره على وجه التوبيخ منكراً لفعلهم ، والوجه الثالث : إنه أراد أن يستدرجهم بهذا القول ويعرّفهم خطأهم وجهلهم ومثل هذا مثل من ورد على قوم يعبدون صنماً فأظهر تعظيمه فأكرموه حتى صدروا في كثير من الأمور عن رأيه إلى أن دهمهم عدوّ فشاوروه في أمره فقال : الرأي أن ندعو هذا الصنم حتى ينكشف عنا ما أصابنا فاجتمعوا حوله يتضرعون فلما تبين لهم أنه لا ينفع ولا يدفع دعاهم إلى أن يدعوا الله تعالى فدعوه فصرف عنهم ما كانوا يجدون فأسلموا .

فإن قيل : لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال ؟ أجيب : بأنّ الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب .