مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (78)

أما قوله : { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : إنما قال في الشمس هذا مع أنها مؤنثة ، ولم يقل هذه لوجوه : أحدها : أن الشمس بمعنى الضياء والنور ، فحمل اللفظ على التأويل فذكر . وثانيها : أن الشمس لم يحصل فيها علامة التأنيث ، فلما أشبه لفظها لفظ المذكر وكان تأويلها تأويل النور صلح التذكير من هاتين الجهتين ، وثالثها : أراد هذا الطالع أو هذا الذي أراه ، ورابعها : المقصود منه رعاية الأدب ، وهو ترك التأنيث عند ذكر اللفظ الدال على الربوبية .

المسألة الثانية : قوله : { هذا أكبر } المراد منه أكبر الكواكب جرما وأقواها قوة ، فكان أولى بالإلهية .

فإن قيل : لما كان الأفول حاصلا في الشمس والأفول يمنع من صفة الربوبية ، وإذا ثبت امتناع صفة الربوبية للشمس كان امتناع حصولها للقمر ولسائر الكواكب أولى . وبهذا الطريق يظهر أن ذكر هذا الكلام في الشمس يغني عن ذكره في القمر والكواكب . فلم لم يقتصر على ذكر الشمس رعاية للإيجاز والاختصار ؟

قلنا : إن الأخذ من الأدون فالأدون ، مترقيا إلى الأعلى فالأعلى ، له نوع تأثير في التقرير والبيان والتأكيد لا يحصل من غيره ، فكان ذكره على هذا الوجه أولى .

أما قوله : { قال يا قوم إني برئ مما تشركون } فالمعنى أنه لما ثبت بالدليل أن هذه الكواكب لا تصلح للربوبية والإلهية ، لا جرم تبرأ من الشرك .

ولقائل أن يقول : هب أنه ثبت بالدليل أن الكواكب والشمس والقمر لا تصلح للربوبية والإلهية لكن لا يلزم من هذا القدر نفي الشريك مطلقا وإثبات التوحيد ، فلم فرع على قيام الدليل على كون هذه الكواكب غير صالحة للربوبية الجزم بإثبات التوحيد مطلقا .

والجواب : أن القوم كانوا مساعدين على نفي سائر الشركاء وإنما نازعوا في هذه الصورة المعينة فلما ثبت بالدليل أن هذه الأشياء ليست أربابا ولا آلهة ، وثبت بالاتفاق نفي غيرها لا جرم حصل الجزم بنفي الشركاء على الإطلاق .