المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

وقوله : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } الآية ، تقريع وإظهار شنعة كما يقال على وجه التعيير رضيت يا فلان ، و { الخوالف } النساء جمع خالفة ، هذا قول جمهور المفسرين ، وقال أبو جعفر النحاس يقال للرجل الذي لا خير فيه خالفة ، فهذا جمعه بحسب اللفظ والمراد أخسة الناس وأخالفهم ، وقال النضر بن شميل في كتاب النقاش : { الخوالف } من لا خير فيه ، وقالت فرقة { الخوالف } جمع خالف فهو جار مجرى فوارس ونواكس وهوالك ، { وطبع } في هذه الآية مستعار ، ولما كان الطبع على الصوان والكتاب مانعاً منه وحفاظاً عليه شبه القلب الذي قد غشيه الكفر والضلال حتى منع الإيمان والهدى منه بالصوان المطبوع عليه ، ومن هذا استعارة القفل والكنان للقلب ، و { لا يفقهون } معناه لا يفهمون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ} (87)

استئناف قصد منه التعجيب من دناءة نفوسهم وقلّة رجلتهم بأنّهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا تبعاً للنساء . وفي اختيار فعل { رضوا } إشعار بأنّ ما تلبسوا به من الحال من شأنه أن يتردّد العاقل في قبوله كما تقدّم في قوله تعالى : { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } [ التوبة : 38 ] وقوله : { إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } [ التوبة : 83 ] .

والخوالف : جمع خالفة وهي المرأة التي تتخلّف في البيت بعد سفر زوجها فإن سافرت معه فهي الظعينة ، أي رضوا بالبقاء مع النساء .

والطبع تمثيل لحال قلوبهم في عدم قبول الهدى بالإناء أو الكتاب المختوم . والطبع مرادف الختم . وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى : { ختم الله على قلوبهم } في سورة البقرة ( 7 ) . وأسند الطبع إلى المجهول إمّا للعلم بفاعله وهو الله ، وإمّا للإشارة إلى أنّهم خلقوا كذلك وجبلوا عليه وفرع على الطبع انعدام علمهم بالأمور التي يختصّ بعلمها أهل الأفهام ، وهو العلم المعبّر عنه بالفقه ، أي إدراك الأشياء الخفيّة ، أي فآثروا نعمة الدعة على سُمعة الشجاعة وعلى ثواب الجهاد إذ لم يدركوا إلاّ المحسوسات فلذلك لم يكونوا فاقهين وذلك أصل جميع المَضار في الداريْن .

وجيء في إسناد نفي الفقاهة عنهم بالمسند الفعلي للدلالة على تقوّي الخبر وتحقيق نسبته إلى المخبر عنهم وتمكّنه منهم .