المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

قوله : { أو لتعودن في ملتنا } قالت فرقة : { أو } هنا بمعنى : «إلا أن » كما هي في قول امرىء القيس : [ الطويل ]

فقلت له لا تبك عيناك إنما . . . نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا{[7027]}

قال القاضي أبو محمد : وتحمل { أو } في هذه الآية أن تكون على بابها لوقوع أحد الأمرين ، لأنهم حملوا رسلهم على أحد الوجهين ، ولا يحتمل بيت امرىء القيس ذلك ، لأنه لم يحاول أن يموت فيعذر ، فتخلصت بمعنى إلا أن ، ولذلك نصب الفعل بعدها . وقالت فرقة هي بمعنى «حتى » في الآية ، وهذا ضعيف ، وإنما تترتب كذلك في قوله : لألزمنك أو تقضيني حقي ، وفي قوله : لا يقوم زيد أو يقوم عمرو ، وفي هذه المثل كلها يحسن تقدير إلا أن .

و «العودة » أبداً إنما هي إلى حالة قد كانت ، والرسل ما كانوا قط في ملة الكفر ، فإنما المعنى : لتعودن في سكوتكم عنا وكونكم أغفالاً ، وذلك عند الكفار كون في ملتهم .

وخصص تعالى { الظالمين } من الذين كفروا إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذي قالوا المقالة ناس ، فإنما توعد بالإهلاك من خلص للظلم{[7028]} .


[7027]:من قصيدة له قالها حين ذهب إلى قيصر يطلب منه المساعدة على استرداد ملكه والأخذ بثأر والده ممن قتلوه، وقبله يقول: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصـــــرا فقلت له لا تبك عينك إنمـــــــــــــا نحاول ملكا أو نموت فنعذرا فقد رفع (نحاول) ونصب (نموت) على معنى: "إلا أن". ومثله قول الأحوص: لا أستطيع نزوعا عن مودتها أو يصنع الحب بي غير الذي صنعا قال الفراء: و من العرب من ينصب ما بعد (أو) ليؤذن نصبه بالانقطاع عما قبله، قال أعرابي حين عاد من سفر طويل فوجد امرأته قد ولدت له غلاما فأنكره: لتقعدن مقعد القصي مني ذي القاذورة المقلي أو تحلفي بربك العلي أني أبو ذيالك الصبـــي
[7028]:وقيل: أراد بالظالمين المشركين، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}.