اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ } الآية لما حكى عن الأنبياء -صلوات لله وسلامه عليهم- توكلهم على الله في دفع شرور أعدائهم حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا : { لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } أي لا بد من أحد الأمرين .

قوله : " لنخرنكم " جواب قسم مقدر ، كقوله : " ولنصبرن " وقوله : " أو لتعودن " في " أوْ " ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها على بابها من كونها لأحد الشيئين .

والثاني : أنها بمعنى : " حتَّى " .

والثالث : أنها بمعنى " إلاَّّ " كقولهم : لألزمَنَّكَ أوْ تَقْضِينِي حَقِّي .

والقولان : الأخيران مردودان ، إذ لا يصح تركيب " حتَّى " ولا تركيب " إلاَّ " مع قوله " لتَعُودُن " بخلاف المثال المتقدم ، والعود هنا يحتمل أن يكون على بابه أي : لترجعن و " في ملَّتنا " متعلق به ، وأن يكون بمعنى الصيرورة ، فيكون الجار في محل نصب خبراً لها .

فإن قيل : هذا يوهم أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودا فيها .

فالجواب من وجوه :

أحدها : أن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- إنَّما نشئوا في تلك البلاد ؛ وكانوا من تلك القبائل وفي أول الأمر ما ظهروا المخالفة مع الكفار ، بل كانوا ساكتين إلى حين الوحي فظن القوم أنهم كانوا على ملتهم لسكوتهم ، فلهذا قالوا : { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } .

وثانيها : أن هذا الكلام الكفار ولا يجب في كل ما قالوه أن يكونوا صادقين .

وثالثها : قال الزمخشريُّ : " العَوْدُ هنا بمعنى الصِّيرورة كثير في كلام العرب كثرة فاشية لا تكاد تسمعهم يستعملون : " صَارَ " ولكن عاد : ما عدت أراه ، وعاد لا يكلمني ما عاد لفلان مالٍ " .

ورابعها : أن الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسل إلا أنَّ المقصود بهذا الخطاب أتباعهم وأصحابهم ، فغلبوا في الخطاب الجماعة ، ولا بأس أن يقال : إنهم قبل ذلك الوقت كانوا على دين أولئك الكفار .

وخامسها : لعل أولئك الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- كانوا قبل إرسالهم على ملَّة من الملل ، ثم إنه -تعالى- نسخه تلك الملة وأمرهم بشريعة أخرى وبقي تلك الأقوام على تلك الشريعة المنسوخة مصرين عليها ، وعلى هذا التقدير ، فلا يبعد أن يطلبوا من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يعودوا إلى تلك الملّة .

ولما ذكر الكفَّار هذا الكلام أوحى الله -عزَّ وجلَّ- أليهم { لَنُهْلِكَنَّ الظالمين } .

قوله : " لنُهْلِكنَّ " جوب قسم مضمر ، وذلك القسم وجوابه فيه وجهان :

أحدهما : أنه على إضمار القول ، أي : قال لنهلكن .

والثاني : أنه أجرى الإيحاء مجرى القول ؛ لأنه ضرب منه .