السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

ولما حكى الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام أنهم اكتفوا في دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه والاعتماد على حفظه وحياطته حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا لرسلهم } مستهينين لمن قصروا التجاءهم عليه . { لنخرجنكم من أرضنا } ، أي : التي لنا الآن الغلبة عليها . { أو لتعودنّ في ملتنا } ، أي : حلفوا ليكونن أحد الأمرين إمّا إخراجكم أيها الرسل ، وإمّا عودكم إلى ملتنا ، أي : ديننا . فإن قيل : قد يفهم هذا بظاهره أنهم كانوا على ملتهم قبل ذلك ؟ أجيب : بأنّ العود هنا بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب كثرة فاشية ، لا تكاد تسمعهم يستعملون صار ولكن عاد يقولون ما عدت أراه ، عاد لا يكلمني ، ما عاد لفلان مال . وقد أجمعت الأمّة على أنّ الرسل من أوّل الأمر إنما نشؤوا على التوحيد لا يعرفون غيره ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ولمن آمن معه فغلبوا الجماعات على الواحد ، وقيل : { أو لتعودنّ في ملتنا } أي إلى ما كنتم عليه قبل ادعاء الرسالة من السكوت عند ذكر معايبه وعدم التعرّض له بالطعن والقدح . ولما ذكر الكفار هذا الكلام قال تعالى : { فأوحى إليهم } ، أي : الرسل { ربهم } وقوله تعالى : { لنهلكنّ الظالمين } ، أي : الكافرين حكاية تقتضي إضمار القول أو أجرى الإيحاء مجرى القول ؛ لأنه ضرب منه .