معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

وقوله : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا 13 }

قال { أَوْ لَتَعُودُنَّ } فجعل فيها لاما كجواب اليمين وهي في معنى شرط ، مثلُه من الكلام أن تقول : والله لأضربنّك أو تُقِرَّ لي : فيكون معناه معنى حَتَّى أَو إلاّ ، إلا أنها جاءت بحرف نَسَق . فمن العرب من يجعل الشرط مُتْبعاً للذي قبله ، إن كانت في الأول لام كان في الثاني لام ، وإن كان الأول منصوبا أو مجزوما نَسَقوا عليه كقوله : { أَوْ لَتَعُودُنَّ } ومن العرب من ينصب ما بعد أوْ ليُؤذن نصبُه بالانقطاع عما قبله . وقال الشاعر :

لَتقعُدِنَّ مقعدَ القَصِيِّ *** منِّيَ ذي القاذُورة المَقْلِيّ

أَو تحلفي بربّك العليّ *** أنيِّ أبو ذيَّالِكِ الصبيّ

فنصب ( تحلفي ) لأنه أراد : أن تحلفي . ولو قال أو لتحلفِنّ كان صوابا ومثله قول امرئ القيس :

بكى صاحبي لَما رأي الدرب دونه *** وأيقن أنا لاحقان بقَيْصَرا

فقلت له لا تبك عَيْنُك إنّما *** نحاولُ مُلْكا أَو نموتَ فنُعذرا

فنصب آخره ورفع ( نحاول ) على معنى إلاّ أو حتى . وفي إحدى القراءتين : { تَقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا } والمعنى - والله أعلم - تقاتلونهم حتى يُسلموا . وقال الشاعر :

لا أستطيع نُزوعاً عن مودّتها *** أوْ يصنعَ الحبُّ بي غير الذي صَنَعَا

وأنت قائل في الكلام : لست لأبى إن لم أقتلك أو تسبقْنَي في الأرض فتنصب ( تسبقني ) وتجزمها . كأنّ الجزم في جوازه : لستُ لأبى إن لم يَكن أحدُ هذين ، والنصب على أَنّ آخره منقطِع عن أوَّله ؛ كما قالوا : لا يسعُني شيء وَيضيقَ عنك ، فلم يَصْلح أن تردّ ( لا ) على ( ويضيق ) فعُلم أَنها منقطِعة من معناها . كذلك قول العرب : لو تُرِكْتَ وَالأَسَدَ لأكلك لما جاءت الواو ترُدُّ اسما على اسم قبله ، وقبح أن تردّ الفعل الذي رَفَع الأوّل على الثاني نصب ؛ أَلا ترى أنك لا تقول لو تُركت وتُرك الأسدُ لأكلك . فمِن ها هنا أتاه النصب . وجَاز الرفع لأن الواو حرف نَسَق معروف فجاز فيه الوجهان للعِلَّتين .