المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا} (12)

«الآية » العلامة المنصوبة للنظر والعبرة ، وقوله { فمحونا } قالت فرقة : سبب تعقيب الفاء أن الله تعالى خلق الشمس والقمر مضيئين فمحا بعد ذلك القمر محاه جبريل بجناحيه ثلاثة مرات فمن هنالك كلَفُه وكونه منيراً فقط ، وقالت فرقة ، وهو الظاهر : إن قوله { فمحونا } إنما يريد في أصل خلقته ، وهذا كما تقول بنيت داري فبدأت بالأس{[7487]} ، ثم تابعت فلا تريد بالفاء التعقيب ، وظاهر لفظ الآية يقتضي أربع آيات لا سيما لمن بنى على أن القمر هو الممحو والشمس هي المبصرة ، فأما إن قدر الممحو في إظلام الليل والإبصار في ضوء النهار أمكن أن تتضمن الآية { آيتين } فقط ، على أن يكون فيها طرف من إضافة الشيء إلى نفسه ، وقوله { مبصرة } مثل قولك ليل قائم ونائم أي ينام فيه ويقام ، فكذلك «آية مبصرة » أي يبصر بها ومعها ، وحكى الطبري عن بعض الكوفيين أنه قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سلوا عما شئتم فقال ابن الكوّا : ما السواد الذي في القمر ؟ فقال له علي : قاتلك الله هلا سألت عن أم دينك وآخرتك ذلك محو الليل وجعل الله تعالى النهار مبصراً ليبتغي الناس الرزق ، وفصل الله ، وجعل القمر مخالفاً للشمس ليعلم به العدد من السنين والحساب للأشهر وللأيام ، ومعرفة ذلك في الشرع إنما هو من جهة القمر لا من جهة الشمس ، وقوله { كل شيء } منصوب بفعل مضمر يدل عليه الظاهر تقديره وفصلنا كل شيء فصلناه تفصيلاً وقيل : و { كل } عطف على { والحساب } فهو معمول { لتعلموا } ، والتفصيل البيان بأن تذكر فصول ما بين الأشياء وتزال أشباهها حتى يتميز الصواب من الشبه العارضة فيه ،


[7487]:الآس، والأس، والإس: الأساس، وهو قاعدة البناء التي يقام عليها.