تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا} (12)

الآية12 : وقوله تعالى : { وجعلنا الليل والنهار آيتين }اختلف فيه : قال بعضهم : المراد بالليل والنهار والشمس والقمر ، أي جعلنا في الشمس والقمر ( آية ) {[10688]} ألا ترى أنه أضاف الآية إلى الليل والنهار حين{[10689]} قال : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } وحين{[10690]} قال أيضا : { لتعلموا عدد السنين والحساب }( يونس : 5 )وإنما يعلم ذلك بالقمر ؟

ألا ترى أنه أيضا : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا }الآية ( يونس : 5 ) ؟ إنما أضاف معرفة عدد السنين والحساب إلى القمر . دل أنه بالقمر يعلم ذلك ، وهو قول علي وابن عباس رضي الله عنه ، وغيرهما{[10691]} ، من أهل التأويل . ويكون تأويل المحو ذكر في قوله : { فمحونا آية الليل } ما قالوا في محوه ، وهو السواد الذي يرى ، والنقصان الذي يكون فيه في آخره .

وقال بعضهم : محى تسعة وستين {[10692]} جزءا من سبعين جزءا . إلى هذا يذهب هؤلاء .

وأما الحسن وأبو بكر وهؤلاء فهم يقولون : ليس في الآية ذكر الشمس والقمر ، إنما ذكر الليل والنهار ، وأخبر أنه جعلهما آيتين ، فهما كذلك آيتان ، وبهما يعلم عدد السنين والحساب ؛ لأنه بالأيام يعرف ذلك .

فأما الشهور فإنها{[10693]} إنما تعرف بالقمر ، لا تعرف بالأيام . ويكون ( تأويل قوله ){[10694]} : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } أي جعلنا آية الليل في الابتداء ممحوة مظلمة { وجعلنا آية النهار مبصرة } مضيئة في الابتداء ، ليس أن كانتا جميعا مبصرتين مضيئتين ، ثم محى آية الليل ، وأبقيت آية النهار مضيئة . ولكن أنشأ آية الليل في الابتداء مبصرة ، وهو كقوله : { وإلى السماء كيف رفعت } { وإلى الجبال كيف نصبت }( الغاشية : 18و19 ) أي أنشأهما في الابتداء كذلك ، لا إن السماء ، كانت موضوعة ، فرفعها ، وكذلك الجبال ، كانت مبسوطة ، ثم نصبها ، ولكن أنشأهما في الابتداء كذلك .

فعلى ذلك قوله تعالى : { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } أي جعلهما{[10695]} في الابتداء : هذا مظلما ممحوا وهذا مبصرا مضيئا .

( وقوله تعالى ){[10696]} : { وجعلنا الليل والنهار آيتين } هما آيتان مختلفتان ، بل متضادتان ، تضاد كل ( واحدة منهما صاحبتها ؛ إذ{[10697]} كل واحدة تنسخ الأخرى حتى لا يبقى لها أثر . وهما آيتان دالتان على وحدانية الله تعالى لأنه لو كانتا فعل عدد لكان إذا أتى هذا على هذا ، منع عن أن يكون للآخر سلطان أو أمر فإذا لم يكن دل أنه صنع واحد .

وفيها دلالة تدبيره وحين{[10698]} جريا على سنن واحد مقدار واحد على غير تفاوت يكون فيهما وتفاضل أو تغير على ما كان ، ومضى . دل أنه عن تدبير خرجا ، وكانا كذلك .

وفيه دلالة علمه و حكمته لما جعل فيهما من المنافع ما لو كان الليل سرمدا لذهبت {[10699]} منفعة الليل نفسه . ولو كان النهار سرمدا لذهبت منفعة النهار رأسا .

و فيه دلالة البعث لأنه يتلف أحدهما إذا جاء الآخر حتى لا يبقى له أثر البتة ، ثم يعيده على ما كان من غير أن يعلم أنه غير الأول .

ثم قوله تعالى { آيتين } والآية علامة ، وعلامتها ، لا تعرف إلا بالتأمل والنظر فيهما ، فعلى ذلك لا يفهم مراد ما في القرآن والمعنى المودع{[10700]} فيه بالتأمل والنظر فيه .

و فيهما دلالة نقض قول أصحاب الطبائع وأصحاب النجوم والدهرية وجميع الملاحدة :

أما نقض قول أصحاب الطبائع فما{[10701]} ذكرنا من اتساق مجراها على سنن واحد وأمر واحد ، دل لأنه بالتدبير صار{[10702]} كذلك لا بالطبع .

وأما نقض قول أصحاب النجوم ( فهي ){[10703]} مسخرة لمنافع الخلق ، ومغلوبة يغلبها ضوء الشمس ونور القمر حتى لا تُرَى ، دل أنه ، لا تدبير لغيرها .

والرد{[10704]}على غيرهم من الملحدة ما ذكرنا من اتصال منافع هذا بهذا ، دل أنه ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لتبتغوا فضلا من ربكم } يحتمل الفضل الذي ذكر الرزق والمعاش الذي ذكر في آية أخرى : { وجعلنا النهار معاشا }( النبأ : 11 )ويحتمل أنواع فضل في الدين { ولتعلموا عدد السنين والحساب } هو ما ذكرنا أنه بهما يعرف .

وقوله تعالى : { وكل شيء فصلناه تفصيلا } يحتمل التفصيل تفصيل آية من أخرى ، أي لم يجعلها آية واحدة على ما ذكر ، وقال الحسن : ( فصل ، أي ) {[10705]} بين أمر عباده ، ونهاهم ، أي بين وفصل ما يؤتى وما{[10706]} يتقى ، و : { فصلناه تفصيلا } أي فصله تفصيلا ، لم يتركه مبهما ، بل بين غاية البيان .


[10688]:ساقطة في الأصل و.م.
[10689]:في الأصل و.م: حيث.
[10690]:في الأصل و.م: حيث.
[10691]:في الأصل و.م: وغيرهم.
[10692]:في الأصل و.م: وستون.
[10693]:في الأصل و.م: فإنه.
[10694]:في الأصل و.م: قوله تأويل.
[10695]:في الأصل و.م: جعلها.
[10696]:ساقطة من الأصل و.م.
[10697]:في الأصل: واحد منهما صاحبتها إذا، في م: واحدة منهما صاحبتها إذا.
[10698]:في الأصل و.م: حيث.
[10699]:في الأصل وم :ذهب
[10700]:من م، في الأصل: الموعود.
[10701]:في الأصل و.م: لما.
[10702]:ادرج قبلها في الأصل و.م: ما.
[10703]:ساقطة من الأصل و.م.
[10704]:في الأصل و.م: و.
[10705]:في الأصل و.م: أي فصل.
[10706]:في الأصل و.م: مما.