محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا} (12)

ثم أشار تعالى إلى بعض وجوه الهداية في القرآن ، بالإرشاد إلى مسلك الاستدلال بالآيات والدلائل الآفاقية ، التي كل منها برهان نيّر لا ريب فيه . ومنهاج بيّن لا يضل من ينتحيه ، بقوله سبحانه :

[ 12 ] { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصّلناه تفصيلا 12 } .

{ وجعلنا الليل والنهار آيتين } أي جعلناهما ، بهيئاتهما وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر ، علامتين تدلان على أن لهما خالقا حكيما . { فمحونا آية الليل } أي بجعلها مظلمة { وجعلنا آية النهار مبصرة } أي مضيئة لتمييز الأشياء المحسوسة . والإضافة فيهما إما بيانية ، أي الآية التي هي الليل ، والآية التي هي النهار . وإما حقيقية . وآية الليل والنهار نيّراهما . والمراد بمحو القمر خلقه مطموس النور في نفسه أو نقص ما استفاده من الشمس شيئا فشيئا إلى المحاق . ويجعل الشمس مبصرة إبداعها مضيئة بالذات . ذات أشعة تبصر بها الأشياء ؛ فالإسناد في { مبصرة } مجازيّ إلى السبب العاديّ ، أو تجوز بعلاقة السبب . وقوله تعالى : { لتبتغوا فضلا من ربكم } متعلق ب { جعلنا } أي لتطلبوا في النهار رزقا ومنه سبحانه ، بالانتشار للمعاش والصناعات والأعمال والأسفار . { ولتعلموا عدد السنين والحساب } أي الحساب المتعلق بما في ضمن السنين من الأشهر والليالي والأيام ، أو الحساب الجاري في المعاملات ، كالبيوع والإجارات . وفي العبادات ، أي لتعرف مضي الآجال المضروبة لذلك . إذ لولاه لما علم أحد حسبان الأوقات ولتعطلت الأمور .

/ قال السيوطي في ( الإكليل ) هذه الآية أصل في علم المواقيت والهيئة والتاريخ . وفي الآية لف ونشر غير مرتب . انتهى .

وقوله تعالى : { وكل شيء } أي مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم { فصلناه تفصيلا } أي بيناه في القرآن بيانا بليغا لا التباس معه . كقوله تعالى{[5379]} : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } فظهر كونه هاديا للتي هي أقوم ظهورا بيّنا .


[5379]:[16 / النحل / 89].