المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِن كَادُواْ لَيَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ لِتَفۡتَرِيَ عَلَيۡنَا غَيۡرَهُۥۖ وَإِذٗا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلٗا} (73)

وقوله { وإن كادوا ليفتنونك } الآية ، { إن } هذه عند سيبويه هي المخففة من الثقيلة ، واللام في قوله { ليفتنونك } لام تأكيد ، و { إن } هذه عند الفراء بمعنى ما ، واللام بمعنى إلا والضمير في قوله { كادوا } قيل هو لقريش وقيل لثقيف ، فأما لقريش ، فقال ابن جبير ومجاهد : نزلت الآية لأنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ندعك تستلم الحجر الأسود حى تمس أيضاً أوثاننا على معنى التشرع بذلك ، قال الطبري وغيره : فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يظهر لهم ذلك ، وقلبه منكر فنزلت الآية في ذلك قال الزجاج : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه «وما علي أن أفعل لهم ذلك والله تعالى يعلم ما في نفسي » وقال ، ابن إسحاق وغيره ، إنهم اجتمعوا إليه ليلة فعظموه ، وقالوا له : أنت سيدنا ولكن أقبل على بعض أمرنا ونقبل على بعض أمرك ، فنزلت الآية في ذلك فهي في معنى قوله تعالى :

{ ودّوا لو تدهن فيدهنون }{[7647]} . وحكى الزجاج أن الآية قيل إنها فيما أرادوه من طرد فقراء أصحابه ، وأما لثقيف ، فقال ابن عباس وغيره : لأنهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات ، وقالوا إنا نريد أن نأخذ ما يهدى لنا ، ولكن إن خفت أن تنكر ذلك عليك العرب ، فقل : أوحى الله ذلك إلي ، فنزلت الآية في ذلك ، ويلزم قائل هذا القول أن يجعل الآية مدنية ، وقد روي ذلك ، وروى قائلو الأقوال الأخر أنها مكية .

قال القاضي أبو محمد : وجميع ما أريد من النبي صلى الله عليه وسلم بحسب هذا الاختلاف قد أوحى الله إليه خلافه ، إما في معجز وإما في غير معجز ، وفعله هو أن لو وقع افتراء على الله إذ أفعاله وأقواله إنما هي كلها شرع . وقوله { وإذاً لاتخذوك خليلاً } توقيف على ما نجاه الله منه من مخالفة الكفار والولاية لهم .


[7647]:الآية (9) من سورة (القلم).