المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (176)

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( 176 )

وقوله تعالى : { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق } الآية ، المعنى ذلك الأمر أو الأمر ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به ، والإشارة على هذا إلى وجوب النار لهم ، ويحتمل أن يقدر فعلنا ذلك ، ويحتمل أن يقدر وجب ذلك ، ويكون { الكتاب } جملة القرآن على هذه التقديرات : وقيل : إن الإشارة ب { الكتاب } إلى قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم }( {[1590]} ) [ البقرة : 6 ] ، أي وجبت لهم النار بما قد نزله الله في الكتاب من الخبر به ، والإشارة بذلك على هذا إلى اشترائهم الضلالة بالهدى( {[1591]} ) ، أي ذلك بما سبق لهم في علم الله وورود إخباره به ، و { الحق } معناه الواجب ، ويحتمل أن يراد بالأخبار الحق : أي الصادقة( {[1592]} ) .

و { الذين اختلفوا في الكتاب } ، قال السدي : «هم اليهود والنصارى لأن هؤلاء في شق وهؤلاء في شق » .

قال القاضي أبو محمد : ويظهر أن الشقاق سميت به المشادّة والمقاتلة ونحوه ، لأن كل واحد يشق الوصل الذي بينه وبين مشاقّه ، وقيل : إن المراد ب { الذين اختلفوا } كفار العرب لقول بعضهم هو سحر ، وبعضهم هو أساطير ، وبعضهم هو مفترى ، إلى غير ذلك ، وشقاق هذه الطوائف إنما هو مع الإسلام وأهله ، و { بعيد } هنا معناه من الحق والاستقامة .


[1590]:- من الآية (7) من سورة (البقرة).
[1591]:- واشتراؤهم ذلك هو الذي أوجب لهم النار، فلا منافاة بينه وبين قوله قبلُ: أي وجبت لهم النار بما قد نزله الله من الكتاب.
[1592]:- توضيح لقوله: الحق.