معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (5)

قوله تعالى : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له } يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها ، { إلى يوم القيامة } يعني أبداً ما دامت الدنيا ، { وهم عن دعائهم غافلون } لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (5)

وقوله تعالى : { ومن أضل } الآية توبيخ لعبدة الأصنام ، أي لا أحد أضل ممن هذه صبغته ، وجاءت الكنايات في هذه الآية عن الأصنام كما تجيء عمن يعقل ، وذلك أن الكفار قد أنزلوها منزلة الآلهة وبالمحل الذي دونه البشر ، فخوطبوا على نحو معتقدهم فيها ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : «ما لا يستجيب » . والضمير في قوله : { ومن هم عن دعائهم غافلون } هو للأصنام في قول جماعة ، ووصف الأصنام بالغفلة من حيث عاملهم معاملة من يعقل ، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله : { وهم } وفي : { غافلون } للكفار ، أي ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب فلا يتأملون ما عليهم في دعاء من هذه صفته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (5)

اعتراض في أثناء تلقين الاحتجاج ، فلما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحاجّهم بالدليل وجّه الخطاب إليه تعجيباً من حالهم وضلالهم لأن قوله : { وإذا حُشر الناس كانوا لهم أعداء } الخ لا يناسب إلا أن يكون من جانب الله .

و { مَن } استفهامية ، والاستفهام إنكار وتعجيب . والمعنى : لا أحد أشدّ ضلالاً وأعجب حالاً ممن يدعون من دون الله من لا يستجيب له دعاءه فهو أقصى حد من الضلالة . ووجه ذلك أنهم ضلوا عن دلائل الوحدانية وادّعوا لله شركاء بلا دليل واختاروا الشركاء من حجارة وهي أبعد الموجودات عن قبول صفات الخلق والتكوين والتصرف ثم يدعونها في نوائبهم وهم يشاهدون أنها لا تسمع ولا تبصر ولا تجيب ثم سمعوا آيات القرآن توضح لهم الذكرى بنقائص آلهتهم ، فلم يعتبروا بها وزعموا أنها سحر ظاهر فكان ضلالهم أقصى حد في الضلال .

و { من لا يستجيب } الأصنام عُبّر عن الأصنام باسم الموصول المختص بالعقلاء معاملة للجماد معاملة العقلاء إذْ أسند إليها ما يسند إلى أولي العلم من الغفلة ، ولأنه شاع في كلام العرب إجراؤها مجرى العقلاء فكثرت في القرآن مجاراة استعمالهم في ذلك ، ومثلُ هذا جعل ضمائر جمع العقلاء في قوله : { وهم } وقوله : { غافلون } وهي عائدة إلى { من لا يستجيب } .

وجَعْلُ يوم القيامة غايةً لانتفاء الاستجابة . كنايةٌ عن استغراق مدة بقاء الدنيا . وعبر عن نهاية الحياة الدنيا ب { يوم القيامة } لأن الموَاجه بالخبر هو الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون كما علمت وهم يثبتون يوم القيامة .

وضميرا { كانوا } في الموضعين يجوز أن يَعودا إلى { ممن يدعو من دون الله } فإن المشركين يعادُون أصنامهم يوم القيامة إذ يجدونها من أسباب شقائهم . ويجوز أن يعودا إلى { من لا يستجيب له } فإن الأصنام يجوز أن تعطى حياة يومئذٍ فتنطق بالتبرّي عن عُبادها ومن عبادتهم إياها ، قال تعالى : { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } [ فاطر : 14 ] وقال : { ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نَسُوا الذكر وكانوا قوماً بُوراً فقد كذبوكم بما تقولون } [ الفرقان : 17 19 ] .

ويجوز أن يكون قوله : { كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } جارياً على التشبيه البليغ لمشابهتها للأعداء والمنكرين للعبادة في دلالتها على ما يفضي إلى شقائهم وكذبهم كقوله تعالى : { وما زادوهم غير تتبيب } [ هود : 101 ] .