الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (5)

قوله : { ومن أضل ممن يدعوا من دون الله } [ 4 ] .

[ أي : لا أحد أضل ممن يعبد من دون الله ]{[62741]} حجرا لا يستجيب له إذا دعاه أبدا ، ولا ينفعهم{[62742]} ، وتلك الحجارة التي يعبدونها غافلة عن دعاء هؤلاء الكفار ، لا تعقل ولا تفهم ، ووقعت " من " للأصنام والحجارة ، و هي لا تعقل لأنهم جعلوها في عبادتهم إياها بمنزلة من يعقل ويميز ، فخوطبوا على مذهبهم فيها{[62743]} .

وقد قرأ ابن مسعود{[62744]} ( ما لا يستجيب له ) كما{[62745]} قال{[62746]} : { لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر }{[62747]} ، فأجراه على المعنى ، وأتى ب " ما " التي تكون لما لا يعقل ، وقد كان يلزم{[62748]} أن يقرأ : " وهي عن دعائهم غافلة لكنه أتى به على لفظ من يعقل ، فمرة رد الكلام على المعنى ، ومرة رده على ما جرى في مخاطبتهم{[62749]} ومثل قراءة الجماعة هنا : قوله{[62750]} : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله }{[62751]} وأتى بالهاء والميم وهما لمن يعقل ، فجرى الإخبار عن الأصنام على ما يجري في مخاطبتهم ، لأنهم أجروها مجرى من يعقل ومن يميز ، ولو{[62752]} أتى الكلام على المعنى لقال : " ما نعبدها إلا لتقربنا " . وهذا كله توبيخ من الله جل ذكره للمشركين لسوء رأيهم وقبح اختيارهم في عبادتهم ما لا يعقل شيئا ولا يفهم ، وتركهم عبادة من أنعم عليهم بجميع ما هم فيه من النعم ، وإليه يلجئون ويتفرعون عند حاجتهم وضروراتهم{[62753]} .


[62741]:ساقط من ح.
[62742]:ح: "لا تنفعهم".
[62743]:جاء في المقتضب للمبرد 2/60 "أنه يجوز تنزيل" من "لغير العاقل إذا خلط مع الآدميين غيرهم، كما في قوله تعالى من سورة النور (43) {والله دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه} فهذا الغير الآدميين، وكذلك {منهم من يمشي على أربع} وإذا اختلط المذكوران جرى على أحدهما ما هو للآخر إذا كان في مثل معناه، لأن المتكلم يبين به ما في الآخر وإن كان لفظه مخالفا. وراجع أيضا في الكتاب: لسيبويه 2/47.
[62744]:عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن صحابي من أكابرهم فضلا وعقلا، وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، عرض عليه الأسود والحارث بن قيس، توفي 32 هـ. انظر عنه: حلية الأولياء 1/124، وصفة الصفوة 1/375، والمحبر 161، والإصابة 2/328، وغاية النهاية 1/458.
[62745]:ساقط من ع.
[62746]:انظر: معاني الفراء 3/50، وإعراب النحاس 4/159.
[62747]:ساقط من ع. مريم: 42.
[62748]:"ع: "يلزم".
[62749]:ع: "مخاطبتهم".
[62750]:ع: "قولهم".
[62751]:ساقط من ع. الزمر : 3.
[62752]:ساقط من ح.
[62753]:ع : "ضرورتهم".