نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (5)

ولما أبطل سبحانه وتعالى قولهم في الأصنام بعدم{[58528]} {[58529]}قدرتها على إتيان شيء من ذلك لأنها من جملة مخلوقات في الأصل{[58530]} ، أتبعه إبطاله بعدم علمها ليعلم قطعاً أنهم أضل الناس حيث ارتبطوا في أجل الأشياء - وهو أصول الدين - بما لا دليل عليه أصلاً ، فقال تعالى منكراً{[58531]} أن يكون أحد أضل منهم ، عاطفاً على ما هدى السياق حتماً إلى{[58532]} تقديره وهو : فمن أضل ممن يدعي شيئاً من الأشياء وإن قل بلا دليل : { ومن أضل ممن } يدعي أعظم الأشياء بغير دليل ما{[58533]} عقلي ولا نقلي ، فهو{[58534]} { يدعوا } ما لا قدرة له ولا علم ، وما انتفت{[58535]} قدرته وعلمه لم تصح عبادته ببديهة العقل ، وأرشد إلى سفولها بقوله تعالى : { من دون الله } أي من أدنى رتبة من رتب-{[58536]} الذي له جميع صفات {[58537]}الجلال والجمال والكمال{[58538]} ، فهو سبحانه يعلم كل شيء ويقدر على كل شيء بحيث يجيب الدعاء ويكشف البلاء ويحقق الرجاء إذا شاء ، ويدبر عبده لما{[58539]} يعلم من سره وعلنه بما لا يقدر هو على تدبير نفسه به-{[58540]} ، ويريد العبد في كثير من الأشياء ما لو وكل العبد-{[58541]} فيه إلى نفسه وأجيب{[58542]} إلى طلبته كان فيه حتفه ، فيدبره سبحانه بما تشتد كراهيته{[58543]} له فيكشف الحال عن أنه لم يكن له فرج إلا فيه { من لا يستجيب له{[58544]} } أي لا يوجد الإجابة ولا يطلب إيجادها من الأصنام وغيرها لأنه لا أهلية له لذلك .

ولما كان أقل الاستجابة مطلق الكلام ، وكانوا في الآخرة يكلمونهم في الجملة وإن كان بما يضرهم ، غيى هذا النفي{[58545]} بوقت لا ينفع فيه استجابة أصلاً ولا يغني أحد عن أحد أبداً{[58546]} فقال تعالى : { إلى يوم القيامة } أي الذي صرفنا لهم من أدلته ما هو أوضح من الشمس ولا يزيدهم{[58547]} لك إلا-{[58548]} إنكاراً وركوناً إلى ما لا دليل عليه أصلاً وهم يدعون الهداية ويعيبون {[58549]}أشد عيب{[58550]} الغواية . ولما كان من لا يستجيب قد يكون له علم-{[58551]} بطاعة الإنسان له ترجى معه إجابته يوماً ما ، نفى ذلك بقوله زيادة في عيبهم في دعاء ما لا رجاء في نفعه : { وهم عن دعائهم } أي دعاء المشركين إياهم { غافلون * } أي لهم هذا الوصف ثابت لا ينفكون عنه ، لا يعلمون من يدعوهم ولا من لا يدعوهم ، وعبر بالغفلة التي هي من أوصاف العقلاء للجماد تغليباً إن كان المراد أعم من الأصنام وغيرها ممن عبدوه من عقلاء الإنس والجن وغيرهم واتصافاً إن كان المراد الأصنام خاصة ، أو تهكماً كأنه قيل : هم علماء فإنكم أجل مقاماً من أن تعبدوا ما لا يعقل ، وإنما عدم استجابتهم لكم دائماً غفلة دائمة كما تقول لمن{[58552]} كتب كتاباً كله فاسد : أنت عالم لكنك كنت ناعساً - ونحو هذا .


[58528]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لعدم.
[58529]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58530]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58531]:زيد في الأصل و ظ: عليهم، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58532]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: أتى.
[58533]:زيد في الأصل و ظ: لا، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58534]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: وهو وهو.
[58535]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: انبعت-كذا.
[58536]:زيد من ظ و م ومد.
[58537]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58538]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[58539]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: بما.
[58540]:زيد من م ومد.
[58541]:زيد من مد.
[58542]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أجب.
[58543]:في الأصل ومد و ظ: كراهته.
[58544]:ليس في الأصل و م.
[58545]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: النفع.
[58546]:سقط من ظ و م ومد.
[58547]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لا ريدهم.
[58548]:زيد من ظ و م ومد.
[58549]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أشار بحيث-كذا.
[58550]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أشار بحيث-كذا.
[58551]:زيد من ظ و م ومد.
[58552]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: من.