اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ} (5)

قوله : { وَمَنْ أَضَلُّ } مبتدأ وخبر . وقوله { مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ } من نكرة موصوفة أو موصولة ، وهي مفعولة بقوله : «يَدْعُو » .

قوله : { وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ } يجوز أن يكون الضَّمِيرانِ عائدين على مَنْ{[50804]} في قوله : { مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ } وهم الأصنام ويوقع عليهم من معاملتهم إياها معاملة العقلاء ولأنه أراد جميع مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ الله وغلب العقلاء ، ويكون قد راعى معنى «من » فلذلك جمع في قوله : «وهم » بعدما راعى لفظها فأفرد في قوله : «وَيَسْتَجِيبُ » وقيل : يعود على «مَنْ » في قوله «ومَنْ أَضَلّ » وحُمِلَ أولاً على لفظها ، فأفرد في قوله «يَدْعُو » ، وثانياً على معناها فجمع في قوله : { وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }{[50805]} .

فصل{[50806]}

«ومن أضلّ » استفهام على سبيل الإنكار والمعنى لا أحد أبعد عن الحق وأقرب إلى الجهل ممن يدعو من دون الله الأصنام ، فيتخذها آلهة ويعبدها ، وهي إذا دُعِيَتْ لا تسمع ، ولا تجيب لا في الحال ولا في المآل إلى يوم القيامة . وإنما جعل ذلك غاية ، لأن يوم القيامة قد قيل : إنه تعالى يحييها ، ويخاطب منْ يعبدها ، فلذلك جعله الله تعالى حدًّا وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تُعَادِي هَؤُلاَءِ العابدين{[50807]} . واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يُحْيِي هذه الأصنام يوم القيامة فتتبرأ من عبادتهم . وقيل : المراد عبدة الملائكة وعيسى ، فإنهم في يوم القيامة يظهرون عبادة هؤلاء العابدين وهو المراد بقوله : { وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }


[50804]:ما بين القوسين هذا ساقط من أ الأصل بسبب انتقال النظر.
[50805]:بالمعنى من البحر المحيط لأبي حيان 8/55 و56.
[50806]:في ب قوله بدل "فصل".
[50807]:الرازي 28/5 و6.