معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

قوله تعالى : { ألم تر أن الله خلق السموات والأرض } قرأ حمزة و الكسائي خالق السماوات والأرض ، في سورة النور { خلق كل دابة } مضافا . وقرأ الآخرون خلق على الماضي والأرض وكل بالنصب . { بالحق } أي : لم يخلقهما باطلا وإنما خلقهما لأمر عظيم . { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } ، سواكم أطوع لله منكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

{ ألم تر } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، به أمته . وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين . { أن الله خلق السماوات والأرض بالحق } والحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه ، وقرأ حمزة والكسائي " خالق السماوات " . { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم ، رتب ذلك على كونه خالقا للسماوات والأرض استدلالا به عليه ، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال :

{ وما ذلك على الله بعزيز } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

وقرأ السلمي : «ألم تر » بسكون الراء ، بمعنى ألم تعلم من رؤية القلب . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر : «خلق السماوات » وقرأ حمزة والكسائي «خالق السماوات » فوجه الأولى : أنه فعل قد مضى ، فذكر كذلك ، ووجه الثانية : أنه ك { فاطر السماوات والأرض }{[7042]} [ الأنعام : 14 يوسف : 101 إبراهيم : 10 الزمر : 46 الشورى : 11 ] و { فالق الإصباح }{[7043]} [ الأنعام : 96 ] .

وقوله : { بالحق } أي بما يحق في جوده ، ومن جهة مصالح عباده ، وإنفاذ سابق قضائه ، ولتدل عليه وعلى قدرته . ثم توعد تبارك وتعالى بقوله : { إن يشأ يذهبكم } أي يعدمكم ويطمس آثاركم . وقوله : { بخلق جديد } يصح أن يريد : من فرق بني آدم ، ويصح غير ذلك .


[7042]:من الآية (1) من سورة (فاطر).
[7043]:من الآية (95) من سورة (الأنعام).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ} (19)

استئناف بياني ناشىء عن جملة { فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين } فإن هلاك فئة كاملة شديدة القوة والمرة أمر عجيب يثير في النفوس السؤال : كيف تهلك فئة مثل هؤلاء ؟ ؟ فيجاب بأن الله الذي قدر على خلق السماوات والأرض في عظمتها قادر على إهلاك ما هو دونها ، فمبدأ الاستئناف هو قوله : { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد } .

وموقع جملة { ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق } موقع التعليل لجملة الاستئناف ، قدم عليها كما تجعل النتيجة مقدمة في الخطابة والجِدال على دليلها . وقد بيناه في كتاب « أصول الخطابة » .

ومناسبة موقع هذا الاستئناف ما سبقه من تفرق الرماد في يوم عاصف .

والخطاب في { ألم تر } لكل من يصلح للخطاب غير معيّن ، وكل مَن يظن به التساؤل عن إمكان إهلاك المشركين .

والرؤية : مستعملة في العلم الناشىء عن النظر والتأمل ، لأن السماوات والأرض مشاهدة لكل ناظر ، وأما كونها مخلوقة لله فمحتاج إلى أقل تأمل لسهولة الانتقال من المشاهدة إلى العلم ، وأما كون ذلك ملتبساً بالحق فمحتاج إلى تأمل عميق . فلمّا كان أصل ذلك كله رؤية المخلوقات المذكورة علق الاستدلال على الرؤية ، كقوله تعالى : { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض } [ سورة إبراهيم : 101 ] .

والحق هنا : الحكمة ، أي ضد العبث ، بدليل مقابلته به في قوله تعالى : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون } [ سورة الدخان : 38 ، 39 ] .

وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلَف خلق السموات والأرض } بصيغة اسم الفاعل مضاف إلى { السموات } وبخفض { والأرض } .

والخطاب في { يذهبكم } لجماعة من جملتهم المخاطب ب { ألم تر } . والمقصود : التعريض بالمشركين خاصة ، تأكيداً لوعيدهم الذي اقتضاه قوله : { لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم } ، أي إن شاء أعدم الناس كلهم وخلق ناساً آخرين .

وقد جيء في الاستدلال على عظيم القدرة بالحكم الأعم إدماجاً للتعليم بالوعيد وإظهاراً لعظيم القدرة . وفيه إيماء إلى أنه يذهب الجبابرة المعاندين ويأتي في مكانهم في سيادة الأرض بالمؤمنين ليمكنهم من الأرض .