قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض بالحق } الآية لما بين بطلان أعمالهم بسبب كفرهم ، وإعراضهم عن قبول الحق ، وأنَّ الله -تعالى- لا يبطل أعمال المخلصين ابتداءً ، وكيف يليق بالحكمة أن يفعل ذلك والله تعالى ما خلق هذا العالم إلا لرعاية الحكمة والصواب ؟
قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ } قرأ أبو عبد الرحمان رحمه الله تعالى{[19197]} : بسكون الراء ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه أجرى الوصل مُجْرَى الوقف .
والثاني : أنَّ العرب حذفت لام الكلمة عند عدم الجازم ، فقالوا : " ولوْ تَرَ مَا الصِّبْيَان " فلما دخل الجازم تخيلوا أنَّ الراء محل الجزم ، ونظيره " لَمْ أبَلْ " فإن أصله : أبالِي ، ثم حذفوا لامه رفعاً ، فلمَّا جزموه لم يعتدوا بلامه ، وتوهموا الجزم في اللام ، والرُّؤية هنا قلبية ف " أنَّ " في محل المفعولين ، أو أحدهما على الخلاف .
وقرأ الأخوان{[19198]} هنا : ( خالق السماوات والأرض ) " خَالِقُ " اسم فاعل مضاف لما بعده فلذلك خفضوا ما عطف عليه ، وهو " الأرض " ، وفي " النور " : " خالقُ كُلِّ دابّةٍ " [ آية : 45 ] اسم فاعل مضاف لما بعده ، والباقون : " خَلَقَ " فعلاً ماضياً ، ولذلك نصبوا : " الأرْضَ " و{ كُلَّ دَآبَّةٍ } [ النور : 45 ] وكسر " السماوات " في قراءة الأخوين خفض ، وفي قراءة غيرهما نصب ، ولو قيل : في قراءة الأخوين : يجوز نصب " الأرْضَ " على أحد وجهين ، إمَّا على المحمل وإمَّا على حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، فتكون " السماوات " منصوبة لفظاً وموضعاً لم يمتنع ولكن لم يقرأ به .
و " بِالحقِّ " متعلق به " خَلَقَ " على أنَّ الباء سببيَّة ، أو بمحذوف على أنَّها حالية إمَّا من الفاعل ، أي : محقَّا ، أو من المفعول ، أي : متلبسة بالحق .
قوله " بالحَقِّ " تقدم نظيره في يونس { مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق } [ يونس : 5 ] أي : لم يخلق ذلك عبثاً بل لغرض صحيح .
قم قال -عزَّ وجلَّ- { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } والمعنى : من كان قادراً على خلق السماوات والأرض بالحق ، فبأن يقدر على [ إفناء ]{[19199]} قوم وإماتتهم وعلى إيجاد آخرين أولى ؛ لأنَّ القادر على الأصعب الأعظم ؛ يقدر على الأسهل الأضعف بطريق الأولى .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : هذا الخطاب مع كفَّار مكَّة يريد أميتكم يا معشر الكفَّار ، وأخلق قوماً خيراً منكم وأطوع منكم{[19200]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.