معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

قوله تعالى : { وتلك الأمثال } الأشباه ، والمثل : كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول ، يريد : أمثال القرآن التي شبه بها أحوال كفار هذه الأمة بأحوال كفار الأمم المتقدمة ، { نضربها } نبينها ، { للناس } قال عطاء ومقاتل : لكفار مكة ، { وما يعقلها إلا العالمون } أي : ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، أنبأنا ابن برزة ، أنبأنا الحارث بن أبي أسامة ، أنبأنا داود بن المحبر ، أنبأنا عباد بن كثير ، عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون } قال : العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

{ وتلك الأمثال } يعني هذا المثل ونظائره . { نضربها للناس } تقريبا لما بعد من أفهامهم . { وما يعقلها } ولا يعقل حسنها وفائدتها . { إلا العالمون } الذين يتدبرون الأشياء على ما ينبغي . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال : " العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

وقوله { وتلك الأمثال } إشارة إلى هذا المثل ونحوه ، و { نضربها } مأخوذ من الضرب أي النوع كما تقول هذان من ضرب واحد وهذا ضريب هذا أي قرينه وشبهه ، فكأنه ضرب المثل هو أن يجعل للأمر الممثل ضريب ، وباقي الآية بين . وقرأت فرقة «يدعون » بالياء من تحت ، وقرأت فرقة «تدعون » بالتاء على المخاطبة ، وقال جابر : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إلا العالون } : «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

بعد أن بين الله لهم فساد معتقدهم في الأصنام ، وأعقبه بتوقيفهم على جهلهم بذلك ، نعى عليهم هنا أنهم ليسوا بأهل لتفهم تلك الدلائل التي قُربت إليهم بطريقة التمثيل ، فاسم الإشارة يبيّنه الاسم المبدل منه وهو { الأمثال } .

والإشارة إلى حاضر في الأذهان فإن كل من سمع القرآن حصل في ذهنه بعض تلك الأمثال . واسم الإشارة للتنويه بالأمثال المضروبة في القرآن التي منها هذا المثل بالعنكبوت .

وجملة { نضربها للناس } خبر عن اسم الإشارة . وهذه الجملة الخبرية مستعملة في الامتنان والطول لأن في ضرب الأمثال تقريباً لفهم الأمور الدقيقة . قال الزمخشري : « ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المُثل والنظائر شأنٌ ليس بالخفي في إبراز خبيئات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المتحقق والغائب كالمشاهد » . وقد تقدم بيان مزية ضرب الأمثال عند قوله تعالى { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها } في سورة البقرة( 26 ) .

ولهذا اتبعت هذه الجملة بجملة { وما يعقلها إلا العالمون } . والعقل هنا بمعنى الفهم ، أي لا يفهم مغزاها إلا الذين كمُلت عقولهم فكانوا علماء غير سفهاء الأحلام . وفي هذا تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بها جهلاء العقول ، فما بالك بالذين اعتاضوا عن التدبر في دلالتها باتخاذها هُزءاً وسخرية ، فقالت قريش لما سمعوا قوله تعالى { إن الذين تَدْعُون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه } [ الحج : 73 ] ، وقوله { كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً } [ العنكبوت : 41 ] قالوا : ما يستحيي محمد أن يمثل بالذباب والعنكبوت والبعوض . وهذا من بهتانهم ، وإلا فقد علم البلغاء أن لكل مقام مقالاً ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام .