السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ} (43)

ولما ذكر مثلهم وما تتوقف صحته عليه كان كأنه قيل : على وجه التعظيم : هذا المثل مثلهم فعطف عليه قوله تعالى إشارة إلى أمثال القرآن كلها تعظيماً لها وتنبيهاً على جليل قدرها وعلوّ شأنها : { وتلك الأمثال } أي : العالية عن أن تنال بنوع احتيال ، ثم استأنف قوله تعالى { نضربها } أي : بما لنا من العظمة بياناً { للناس } أي : تصويراً للمعاني المعقولات بصور المحسوسات لعلها تقرب من عقولهم فينتفعوا بها ، وهكذا حال التشبيهات كلها هي طرق إلى إفهام المعاني المحتجبة في الأستار تبرزها وتكشف عنها وتصوّرها ، روي أنّ الكفار قالوا كيف يضرب خالق الأرض والسماوات الأمثال بالهوام والحشرات كالذباب والبعوض والعنكبوت ؟ فقال الله تعالى مجهلاً لهم : { وما يعقلها } أي : حق تعقلها فينتفع بها { إلا العالمون } أي : الذين هيئوا للعلم وجعل طبعاً لهم بما بث في قلوبهم من أنواره وأشرق في صدورهم من أسراره ، فهم يضعون الأشياء مواضعها ، روى الحارث بن أبي أسامة عن جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «العالم الذي عقل عن الله وعمل بطاعته واجتنب سخطه » قال البغويّ : والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأوّل يريد أمثال القرآن التي يشبه بها أحوال كفار هذه الأمّة بأحوال كفار الأمم المتقدّمة .